على كل الممكنات فكان قادرا على أن يقهر المسلمين بالكفار مع أنهم ضعفاء كما قهر الكافرين بالمؤمنين مع قوتهم وشوكتهم.
قوله : (إِذْ جاءَتْكُمْ) يجوز أن يكون منصوبا «بنعمة» أي النعمة الواقعة في ذلك الوقت ، ويجوز أن يكون منصوبا باذكروا على أن يكون بدلا من «نعمة» بدل اشتمال (١) ، والمراد بالجنود الأحزاب وهم قريش وغطفان ، ويهود قريظة والنّضير (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً)(٢) وهي الصّبا ، قال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب : انطلقي بنصر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقالت الشمال إن الحرّة لا تسري بالليل فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا وروى مجاهد عن ابن عباس عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «نصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدّبور» (٣).
قوله : (وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) قرأ الحسن بفتح الجيم ، والعامة بضمها (٤) ، و «جنودا» عطفا على «ريحا» و «لم تروها» صفة لهم ، وروي عن أبي عمرو ، وأبي بكر «لم يروها» (٥) بياء الغيبة ، وهم الملائكة ولم تقاتل الملائكة يومئذ فبعث الله عليهم تلك الليلة ريحا باردة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفساطيط (٦) وأطفأت النيران وأكفأت القدور (٧) ، وجالت الخيل بعضها في بعض وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حي يقول : يا بني فلان هلّم إليّ فإذا اجتمعوا عنده قال : النّجا النّجا أتيتم لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال (٨). (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) وهذا إشارة إلى أن الله علم التجاءكم إليه وجاءكم (٩) فضله فنصركم على الأعداء عند الاستعداد والقصة المشهورة.
قوله : (إِذْ جاؤُكُمْ) بدل من «إذ» الأولى (١٠) ، والحناجر جمع «حنجرة» وهي رأس الغلصمة والغلصمة منتهى الحلقوم ، والحلقوم مجرى الطعام والشراب ، وقيل : الحلقوم
__________________
(١) ذكره العكبري في التبيان ٥٢. والدر المصون ٤ / ٣٦٧.
(٢) لم أعثر على هذا الرأي وهذا الأثر بصيغته تلك وإنما ما عثرت عليه أن الريح التي نزلت عليهم ربح الصبا ، انظر : زاد المسير ٦ / ٣٥٧.
(٣) الحديث رواه الإمام البخاري في الاستسقاء ١ / ١٨٣.
(٤) من القراءات الشاذة ذكرها أبو حيان في البحر ٧ / ٢١٦ وانظر شواذ القرآن (١٩٣).
(٥) زاد المسير ٦ / ٣٥٧ وهي قراءة النخعي والجحدري ، والجوني وابن السّميفع ، وانظر كذلك مختصر ابن خالويه ١١٨ والقرطبي ١٤ / ١٤٤ بدون نسبة.
(٦) أي عروق الشعر.
(٧) أي كبت يقال : كفأت الإناء أي كببته ، وأكفأت الشّيء أي أملته انظر : اللسان : «ك ف أ» ٣٨٩٣.
(٨) انظر : زاد السير ٦ / ٣٥٧.
(٩) في «ب» ورجاكم.
(١٠) ذكره في الدر المصون ٤ / ٣٦٧. والتبيان ١٠٥٣.