وهي الشرك ـ إلا يسيرا ولأسرعوا للإجابة إلى الشرك طيّبة به أنفسهم وهذا قول أكثر المفسّرين.
قوله : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل غزوة الخندق (لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) عدوهم أي لا ينهزمون قال يزيد بن رومان (١) : هم بنو حارثة هموا يوم الخندق أن يقتتلوا مع بني سلمة ، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها ، وقال قتادة : هم ناس كانوا (٢) قد غابوا عن واقعة بدر ورأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والفضيلة وقالوا لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلنّ فساق الله إليهم ذلك وقال مقاتل (٣) والكلبي : هم سبعون رجلا جاءوا بايعوا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليلة العقبة وقالوا اشترط لنفسك ولربك ما شئت فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٤) ـ اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأولادكم قالوا : وإذا فعلنا ذلك (فما لنا (٥) يا رسول الله؟ قال : لكم النصر في الدنيا والجنة في الآخرة ، قالوا : قد فعلنا فذلك) عهدهم ، وهذا القول ليس بمرضيّ ؛ لأن الذين بايعوا ليلة العقبة كانوا سبعين لم يكن فيهم شاكّ ولا من يقول مثل هذا القول وإنما الآية في قوم عاهدوا الله أن يقاتلوا ولا يفرّوا فنقضوا العهد. وهذا بيان لفساد سريرتهم وقبح سيرتهم لنقضهم العهود فإنهم قبل ذلك تخلفوا وأظهروا عذرا وندما ثم هددهم بقوله : (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) أي مسؤولا عنه.
قوله : (لا يُوَلُّونَ) جواب لقوله : (عاهَدُوا) لأنه في معنى : «أقسموا» (٦) وجاء على حكاية اللفظ فجاء بلفظ الغيبة ولو جاء على حكاية المعنى لقيل : لا يولّي ، والمفعول الأول محذوف أي يولون العدو الأدبار (٧). وقال أبو البقاء : ويقرأ بالتشديد تشديد النون وحذف الواو على تأكيد جواب القسم (٨). قال شهاب الدين : ولا (٩) أظن هذا إلا غلطا منه وذلك أنه إما أن يقرأ مع ذلك بلا النافية أو بلام التأكيد (١٠) ، والأول لا يجوز لأن
__________________
(١) القرطبي ١٤ / ١٥٠.
(٢) السابق.
(٣) السابق وانظر : زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي ٦ / ٣٦٢ و ٣٦٣.
(٤) انظر : القرطبي ١٤ / ١٥٠.
(٥) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».
(٦) ذكره في التبيان ١٠٥٣ والبيان ٢ / ٢٦٥ والدر المصون ٤ / ٣٧٢.
(٧) ذكره في البحر ٧ / ٢١٩ والدر المصون ٤ / ٣٧٢.
(٨) ذكره في التبيان ١٠٥٣.
(٩) ذكره في الدر المصون ٤ / ٣٧٢.
(١٠) قال ابن يعيش في شرح المفصل ٢١ / ج ٩ : «وأما الداخلة على الفعل فهي تدخل على الماضي والمستقبل فإذا دخلت على المستقبل فلا بد من النون الثقيلة أو الخفيفة ؛ فاللام للتأكيد وتفصل بين النفي والإيجاب». انظره في ٩ / ٢١ بتفصيل.