كدوران عين الذين يغشى عليه من الموت وذلك أن من قرب من الموت وغشيته أسبابه يذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف ، واعلم أن البخل شبيه الجبن فلما ذكر البخيل بين سببه وهو الجبن لأن الجبان يبخل بماله ولا ينفقه في سبيل الله لأنه لا يتوقع الظفر فلا يرجو الغنيمة فيقول هذا إنفاق لا بدل(١) له فيتوقف فيه ، وأما الشجاع فيتيقن (٢) الظفر والاغتنام فيهون عليه إخراج المال في القتال طمعا فيما هو أضعاف ذلك (٣).
قوله : (يَنْظُرُونَ) في محل (نصب (٤)) حال من مفعول «رأيتهم» لأن الرؤية بصرية (٥).
قوله : «تدور» إما حال (٦) ثانية وإما حال من «ينظرون» (٧)(كَالَّذِي يُغْشى) يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون حالا من : «أعينهم» أي تدور أعينهم حال كونها مشبهة عين الذي يغشى عليه من الموت (٨).
الثاني : أنه نعت مصدر مقدر لقوله «ينظرون» تقديره : ينظرون إليك نظرا مثل نظر الذي (٩) يغشى عليه من الموت ويؤيده (١٠) الآية الأخرى : (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) [محمد : ٢٠] المعنى يحسبون أي هؤلاء المنافقون يحسبون الأحزاب يعني قريشا وغطفان واليهود (لَمْ يَذْهَبُوا) لم ينصرفوا عن قتالهم من غاية الجبن عند ذهابهم كأنهم غائبون حيث لا يقاتلون كقوله : (وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ) أي يرجعون إليهم للقتال بعد الذهاب(١١)(يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) من الخوف والجبن.
(قوله) (١٢) : «بادون» هذه قراءة العامة جمع «باد» وهو المقيم بالبادية يقال : بدا يبدو بداوة إذا خرج إلى البادية (١٣) ، وقرأ عبد الله وابن عباس (١٤) وطلحة وابن يعمر بدّى
__________________
(١) في «ب» لا بد له.
(٢) في «ب» متيقن.
(٣) ذكره في التفسير الكبير ٢٥ / ٢٠١ و ٢٠٢.
(٤) ساقطة من «أ».
(٥) حكاه أبو البقاء في التبيان ١٠٥٤ والبيان ٢ / ٢٦٦ والدر المصون ٤ / ٣٧٤.
(٦) ذكره ابن الأنباري في البيان المرجع السابق والسمين في الدر المرجع السابق.
(٧) البيان لأبي البقاء ١٠٥٤ وانظر المرجعين السابقين.
(٨) هذا رأي أبي البقاء في التبيان ٢ / ١٠٥٤ والدر المصون ٤ / ٣٧٤.
(٩) البحر المحيط ٧ / ٢٢٠ والدر المصون ٤ / ٣٧٤.
(١٠) في «ب» وأيده.
(١١) انظر : الجامع لأحكام القرآن ١٤ / ١٥٤.
(١٢) زيادة من «ب».
(١٣) قال في اللسان ٢٣٥ : «تبدّى الرّجل : أقام بالبادية ، وتبادى : تشبّه بأهل البادية.
(١٤) هو ابن مصرف وقد سبق التعريف به.