وقال ابن الخطيب إنما قال ذلك حيث لم يكن قد حصل ما بين (١) النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عن إيمانهم وآمن بعد ذلك ناس «و (كانَ) الله (غَفُوراً) حيث ستر ذنبهم و «رحيما» حيث رحمهم ورزقهم الإيمان فيكون هذا فيمن آمن بعده. أو نقول (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ) مع أنه كان غفورا رحيما لكثرة ذنوبهم وقوة جرمهم ولو كان دون ذلك لغفر لهم ثم بين بعض ما جزاهم (٢) الله على صدقهم فقال : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ) وهم قريش وغطفان ردّهم بغيظهم لم تشف صدورهم بنيل ما أرادوا لم ينالوا خيرا «ظفرا» وكفى الله المؤمنين القتال بالملائكة والريح أي لم يحوجهم إلى القتال (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا) في ملكه غير محتاج إلى قتالهم «عزيزا» في انتقامه قادرا على استئصال الكفار.
قوله : «بغيظهم» يجوز أن تكون الباء سببية وهو الذي عبر عنه أبو البقاء بالمفعول أي (٣) أنها معدّية.
والثاني : أن تكون للمصاحبة (٤) فتكون حالا أي مغيظين.
قوله : (لَمْ يَنالُوا (٥) خَيْراً) حال ثانية أو حال من الحال الأولى فهي متداخلة ، ويجوز (٦) أن تكون حالا من الضمير المجرور (٧) بالإضافة. وجوز الزمخشري فيها أن تكون بيانا للحال الأولى أي مستأنفة (٨) ، ولا يظهر البيان إلا على البدل والاستئناف بعيد (٩).
قوله : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ) أي أنزل الله الذين «ظاهروهم» أي عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والمسلمين وهم بنو قريظة (١٠).
قوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) بيان للموصول فيتعلق بمحذوف (١١) ، (ويجوز أن يكون (١٢) حالا) (مِنْ صَياصِيهِمْ) متعلق «بأنزل» و «من» لابتداء الغاية (١٣) ، والصياصي جمع صيصية(١٤) وهي الحصون والقلاع والمعاقل ويقال لكل ما يمتنع به ويتحصن
__________________
(١) في تفسيره «يأس النبي».
(٢) وفيه : «جازاهم» بصيغة التفاعل وانظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٠٤.
(٣) قال في التبيان ١٠٥٥ «يجوز أن يكون حالا ، وبأن يكون مفعولا».
(٤ و ٥ و ٦) أقوال شهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٣٧٩ والحال المتداخلة التي تدخل تحت الأولى كالجملة الصغرى التي تحت الكبرى.
(٧) من «بغيظهم».
(٨) قال في الكشاف ٣ / ٢٥٧ : «ويجوز أن تكون الثانية بيانا للأولى أو استئنافا».
(٩) قاله أبو حيان في رده عليه في البحر ٧ / ٢٢٤ وكذلك السمين في الدر ٤ / ٣٧٩.
(١٠) قاله الإمام القرطبي في الجامع ١٤ / ١٦١.
(١١) قاله في السمين ٤ / ٣٧٩.
(١٢) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(١٣) المرجع السابق.
(١٤) قاله في اللسان «صيا» ٢٥٣٩ وانظر المجاز ٢ / ١٣٦.