قوله : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ) أي يطع الله ورسوله (١) وهذا بيان لزيادة ثوابهن كما بين زيادة عقابهن (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) في مقابلة قوله : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) وفيه لطيفة وهي أن عند إيتاء الأجر ذكر الموفي وهو الله وعند العذاب لم يصرح بالعذاب (٢) فقال : «يضاعف» وهذا إشارة إلى كمال الرحمة والكرم (٣). قوله : (وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها) قرأ الأخوان «ويعمل ويؤت» ـ بالياء من تحت فيهما ، والباقون «وتعمل» (٤) بالتاء من فوق و «نؤتها» بالنون ، فأما الياء في «ويعمل» فلأجل الحمل على لفظ «من» وهو الأصل والتاء من فوق على معناها إذ المراد بها مؤنث (٥) ويرشح هذا بتقدم لفظ المؤنث وهو «منكنّ» ومثله قوله :
٤٠٨٥ ـ وإنّ من النّسوان من هي روضة |
|
............. (٦) |
لما تقدم قوله «من النّسوان» يرجع المعنى فحمل عليه ، وأما «يؤتها» بالياء من تحت فالضمير لله تعالى لتقدمه في (لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) وبالنون فهي نون العظمة ، وفيه انتقال من الغيبة إلى التكلم ، وقرأ الجحدريّ ويعقوب وابن عامر ـ في رواية ـ وأبو جعفر وشيبة (٧) : «تقنت» (٨) بالتاء من فوق حملا على المعنى وكذلك «وتعمل». وقال أبو البقاء : إن بعضهم قرأ «ومن تقنت» (٩) بالتأنيث حملا على المعنى ويعمل بالتذكير حملا على اللفظ قال : فقال بعض النحويين : هذا ضعيف لأن التذكير أصل فلا يجعل تبعا للتأنيث وما عللوه به قد جاء مثله في القرآن قال تعالى : (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) [الأنعام : ١٣٩].
__________________
(١) قاله القرطبي ١٤ / ١٧٦ و ٢ / ٨٦ و ٣ / ٢١٣.
(٢) في «ب» بالمعذب وكذا هي في تفسير الرازي ٢٥ / ٢٠٨.
(٣) المرجع السابق.
(٤) ذكرت في السبعة ٥٢١ والإتحاف ٣٥٥ ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٤١ و ٣٤٢ وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٣١٢ ، وإبراز المعاني ٦٤٨ والكشف ٢ / ١٩٦ والتبيان ١٠٥٦.
(٥) وهو ظاهر كلام السمين في الدر ٤ / ٣٨٢ وابن خالويه في الحجة ٢٩٠.
(٦) صدر بيت من تام الطويل وعجزه :
............. |
|
تهيج الرّياض قبلها وتصوح |
وينسب لجران العود وليس بديوانه و «تصيح» : تثور ، و «تصوح» الأصل : «تتصوّح» ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا ويقال : تصوح البقل إذا يبس أعلاه وهنا تشبيه بعض النساء بالروضة التي تتأخر في هيجان نباتها عن غيرها من الرياض ويقصد المرأة التي تتأخر عن الولادة في وقتها ، وشاهده : «هي روضة» حيث راعى المعنى معنى «من» ولو أراد اللفظ لقال : «من هو». وقد تقدم.
(٧) شيبة بن نصاح بن سرجس إمام ثقة مقرىء المدينة مع أبي جعفر وقاضيها ومولى أم سلمة من قراء التابعين أول من ألف كتاب الوقوف. مات سنة ١٣٠ ه انظر : الغاية ١ / ٣٣٠.
(٨) ذكرها أبو حيان ٧ / ٢٢٨ وابن مجاهد في السبعة وأنكرها. السبعة ٥٢١ والمختصر لابن خالويه ١١٩.
(٩) التبيان ١٠٥٦.