أحدهما : قال أبو حاتم (١) يقال : قررت بالمكان ـ بالفتح ـ أقرّ به ـ بالكسر ـ وقرّت عينه ـ بالكسر ـ تقرّ ـ بالفتح ـ فكيف تقرأ وقرن بالفتح؟! والجواب عن هذا أنه قد سمع في كل منهما الفتح والكسر ، حكاه أبو عبيد (٢) ، وتقدم ذلك في سورة مريم (٣).
الثاني : سلمنا أنه يقال قررت بالمكان ـ بالكسر ـ أقرّ به ـ بالفتح ـ وأن الأمر منه اقررن إلا أنه لا مسوغ (٤) للحذف ، لأن الفتحة خفيفة ، ولا يجوز قياسه على قولهم : «ظلت» في «ظللت» قال تعالى : (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) [الواقعة : ٦٥] و (ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) [طه : ٩٧] وبابه ، لأن هناك شيئين ثقيلين التضعيف والكسرة (فحسن (٥) الحذف وأما هنا فالتضعيف فقط) ، والجواب أن المقتضي للحذف إنما هو التكرار ويؤيد هذا أنهم لم يحذفوا مع التكرار ووجود الضمة وإن كان أثقل نح و «اغضضن أبصاركن» وكان أولى بالحذف فيقال : غضن لكن السماع خلافه قال تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) على أن ابن مالك قال : إنه (٦) يحذف في هذا بطريق الأولى. أو نقول : إن هذه القراءة إنما هي من «قار ـ يقار» بمعنى اجتمع وهو وجه حسن بريء من التكلف فيندفع اعتراض أبي حاتم وغيره لولا أن المعنى على الأمر بالاستقرار لا بالاجتماع. وأما الكسر فمن وجهين أيضا :
أحدهما : أنه أمر من قرّ في المكان ـ بالفتح ـ في الماضي والكسر في المضارع ، وهي اللغة الفصيحة (٧) ، ويجيء فيها التوجيهات الثلاث المذكورة أولا ، أما حذف الراء الثانية أو الأولى أو إبدالها ياء وحذفها كما قاله (٨) الفارسيّ ، ولا اعتراض على هذه (٩) القراءة لمجيئها على مشهور اللغة ، فيندفع اعتراض أبي حاتم ، ولأن الكسر ثقيل فيندفع الاعتراض الثاني ومعناها مطابق لما يراد بها من الثبوت والاستقرار.
الوجه الثاني : أنها أمر من «وقر» «يقر» أي ثبت واستقر ومنه «الوقار» وأصله اوقرن فحذفت الفاء ـ وهو الواو ـ واستغني عن همزة الوصل فبقي «قرن» ، وهذا كالأمر من
__________________
(١) هو سهل بن محمد السجستاني كان عالما ثقة ، قيّما بعلم اللغة والشعر ، أخذ عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعيّ ، وأخذ عنه ابن دريد أبو بكر توفي فيما قبل سنة خمسين ومائتين في خلافة المستعين وقال ابن دريد : توفي سنة خمس وخمسين ومائتين انظر نزهة الألباء ١٣٣.
(٢) هو القاسم بن سلام أبو عبيد كان إمام أهل عصره في كل فن من العلم ، أخذ عن أبي زيد ، وأبي عبيدة والأصمعي ، واليزيديّ وغيرهم له غريب القرآن والحديث ومعاني القرآن وغير ذلك مات سنة ٢٢٠ ه انظر بغية الوعاة ٢ / ٢٥٣ و ٢٥٤ وانظر مشكل الإعراب ٢ / ١٩٦ والبحر ٧ / ٢٣٠ والقرطبي ١٤ / ١٧٨.
(٣) عند قوله تعالى : «وَقَرِّي عَيْناً» وهي الآية ٢٦ وانظر اللباب ٦ / ٢٣٧ «ب».
(٤) في «ب» يسوع بالياء.
(٥) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٦) شرح الكافية الشافية له ٩٠٩ و ٩١٠.
(٧) معاني الفراء ٢ / ٢٤٣.
(٨) في «ب» فيما قال.
(٩) وانظر في هذا كله الدر المصون ٤ / ٣٨٥ : ٣٨٧.