قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) أي شاهدا للرسل بالتبليغ (وَمُبَشِّراً) لمن آمن بالجنة و «نذيرا» لمن كذب بالنار «فشاهدا» حال مقدرة ، أو مقارنة لقرب الزمان (١)(وَداعِياً إِلَى اللهِ) إلى توحيده وطاعته ، وقوله «بإذنه» حال أي ملتبسا بتسهيله ، ولا يريد حقيقة الإذن لأنه مستفاد من «أرسلناك» (٢).
قوله : «وسراجا» يجوز أن يكون عطفا على ما تقدم ، إما على التشبيه ، وإما على حذف مضاف أي ذا سراج (٣) ، وجوز الفرّاء أن يكون الأصل : وتاليا سراجا ، ويعني بالسّراج القرآن (٤) ، وعلى هذا فيكون من عطف الصفات وهي لذات واحدة ، لأن التالي هو المرسل. وجوز الزمخشري أن يعطف على (٥) مفعول «أرسلناك» وفيه نظر لأن السراج هو القرآن ولا يوصف بالإرسال بل بالإنزال إلّا أن يقال : إنه حمل على المعنى كقوله :
٤٠٩٦ ـ فعلفتها تبنا وماء باردا |
|
[حتّى شتت همّالة عيناها](٦) |
وأيضا فيغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل ، وقوله : «منيرا» لأنه يهتدى (٧) به كالسّراج يستضاء به في الظلمة. واعلم (٨) أنّ في قوله : «سراجا» ولم يقل : إنه شمس مع أن الشمس أشد إضاءة من السراج فائدة وهي أن نور الشمس لا يؤخذ منه شيء ، والسراج يؤخذ منه أنوار كثيرة إذا انطفى الأول يبقى الذي أخذ منه وكذلك إن غاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان كلّ صحابي كذلك سراجا يؤخذ منه نور الهداية كما قال عليه (الصلاة (٩) و) السلام : «أصحابي كالنّجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» (١٠) وفي هذا الخبر لطيفة وهي أن النبي عليه (الصلاة (١١) و) السلام لم يجعل أصحابه كالسراج وجعلهم كالنجوم لأن النجم لا يؤخذ منه (نور (١٢)) بل له في نفسه نور إذا غرب لا يبقى نور مستفاد منه فكذلك الصحابي إذا مات فالتابعي يستنير بنور النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولا يأخذ إلّا قول النبي ـ عليه (الصلاة (١٣) و) السلام ـ وعليه فأنوار المجتهدين كلهم من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولو جعلهم كالسّراج والنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كان سراجا كان للمجتهد أن يستنير بمن أراد منهم ، ويأخذ النور ممّن اختار وليس كذلك فإن مع
__________________
(١) قال بذلك أبو حيان في البحر ٧ / ٢٣٨ والسمين في الدر ٤ / ٣٩٣.
(٢) المرجعان السابقان.
(٣) السابقان.
(٤) نقل هذا الرأي للفراء أبو حيان في بحره ٧ / ٢٣٨ ولم أجده في كتابه معاني القرآن ولعله في كتاب آخر له.
(٥) قال : «ويجوز أن يعطف على كاف أرسلناك» انظر : الكشاف ٣ / ٢٦٦.
(٦) هذا بيت من الرجز ذكره الفراء في معانيه ١ / ١٤ ونسبه لبعض بني أسد ، وفي ٣ / ١٢٤ ونسبه لبعض بني دبير وقد نسبه ابن جني في الخصائص لذي الرمة. انظر : الخصائص ٢ / ٤٣١. وانظر : الدر المصون ٤ / ٩٠ و ٣٩٤ واللسان : «ع ل ف» ٣٠٧٠ ، والحجة للفارسي ١ / ٢٣٣ وأمالي المرتضى ٢ / ٢٥٩.
(٧) في «ب» مهتدى بالاسمية.
(٨) قرره الفخر الرازي في تفسيره ٢٥ / ٢١٧.
(٩) ساقط من «ب».
(١٠) المرجع السابق.
(١١ و ١٢ و ١٣) سواقط من «أ» والفخر الرازي وزيادة من «ب».