فقلن يا رسول الله : اجعل لنا من نفسك ومالك ما شئت ودعنا على حالنا فنزلت هذه الآية فأرجأ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بعضهن وآوى إليه بعضهن فكان ممن آوى عائشة وحفصة وزينب وأمّ سلمة وكان يقسم بينهن سواء ، وأرجأ منهن خمسا : أمّ حبيبة (١) ، وميمونة ، وسودة ، وصفية (٢) ، وجويرية (٣) فكان يقسم لهن ما شاء (٤). وقال مجاهد : ترجي من تشاء منهن يعني تعزل من تشاء منهنّ بغير طلاق وترد إليك من تشاء بعد العزل بلا تجديد عقد (٥) ، وقال ابن عباس : تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء (٦) وقال الحسن : تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من تشاء من أمتك (٧) وقال : كان النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إذا خطب امرأة لم يكن لغيره خطبتها حتى يتركها رسول الله (٨) ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقيل : تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن لك فتؤويها إليك وتترك من تشاء فلا تقبلها (٩) ، روى هشام عن أبيه قال : كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقالت عائشة : أما تستحيي المرأة أنت تهب نفسها للرجل فلما نزلت (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ) قالت : يا رسول الله : ما أرى ربّك إلّا يسارع في هواك (١٠).
قوله : (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ) يجوز في «من» وجهان :
أحدهما : أنها شرطية في محل نصب بما بعدها وقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) جوابها ، والمعنى من طلبتها من النسوة اللاتي عزلتهن فليس عليك في ذلك جناح (١١).
والثاني : أن تكون مبتدأة ، والعائد محذوف (١٢) وعلى هذا فيجوز في «من» أن تكون «موصولة» وأن تكون شرطية ، و (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) خبر ، أو جواب أي التي ابتغيتها. ولا بد حينئذ من ضمير راجع إلى اسم الشرط من الجواب أي في ابتغائها وطلبها (١٣) ، وقيل : في الكلام حذف معطوف تقديره : ومن ابتغيت ممّن عزلت وممن لم
__________________
ـ أيوب وشعبة ، متقن لا يخلط ولا يدلس ثقة ثبت له ألفا حديث مات سنة ١٣٢ ه انظر : خلاصة الكمال ٣٨٨.
(١) بنت أبي سفيان كانت تحت عبد الله بن جحش وهلك بأرض الحبشة فتزوجها رسول الله ، انظر : المعارف لابن قتيبة ١٣٦.
(٢) بنت حيي بن أخطب الخيبريّة لها أحاديث ماتت سنة ٥٠ ه ، انظر : خلاصة الكمال ٤٩٣.
(٣) بنت الحارث المصطلقية لها أحاديث في البخاري ومسلم ماتت سنة ٥٦ ه انظر أعلام النساء ١ / ٢٢٧.
(٤) القرطبي ١٤ / ٢١٥.
(٤) القرطبي ١٤ / ٢١٥.
(٥) انظر : تفسير ابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ٤٠٧.
(٦) السابق.
(٧) السابق.
(٨) انظر : تفسير البغوي ٥ / ٢٦٩.
(٩) وهو قول الشعبي وعكرمة انظر : زاد المسير المرجع السابق ومعالم التنزيل للبغوي ٥ / ٢٦٩.
(١٠) المرجع الأخير السابق وانظر القرطبي ١٤ / ٢١٥.
(١١) قاله أبو البقاء في التبيان ١٠٥٩ والسمين في الدر ٤ / ٣٩٨.
(١٢) المرجعان السابقان.
(١٣) المرجع الأخير السابق.