و «لعل» هنا على بابها. وقيل : للتعليل. ويؤيده قراءة عبد الله : «كي تخلدون» (١).
وقيل : للاستفهام ، قاله زيد بن عليّ ، وبه قال الكوفيون. وقيل : معناها التشبيه ، أي : كأنكم تخلدون. ويؤيده ما في حرف أبيّ : «كأنّكم تخلدون» بضم التاء مخففا ومشددا (٢). وقرىء : «كأنّكم خالدون» (٣) ولم يعلم من نص عليها أنها تكون للتشبيه. والمعنى : كأنكم تبقون فيها خالدين. قوله : (وَإِذا بَطَشْتُمْ) أي : وإذا (٤) أردتم ، وإنما احتجنا إلى تقدير الإرادة لئلا يتحد الشرط والجزاء (٥) ، و «جبّارين» حال. واعلم أن اتخاذ الأبنية العالية يدل على حب الدنيا ، واتخاذ المصانع يدل على حب البقاء ، والجبارية تدل على حب التفرد بالعلو ، وهذه صفات الإلهية وهي ممتنعة الحصول للعبد (٦) ولما ذكر هود (٧) هذه الأشياء قال : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) زيادة في دعائهم إلى الآخرة ، وزجرا لهم عن حب الدنيا والاشتغال بالسرف والتجبر ، ثم وصل هذا الوعظ بما يؤكد القبول بأن نبههم على نعم الله تعالى عليهم فقال : (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) أي : أعطاكم من الخير ما تعلمون ، ثم فصل ذلك الإعطاء فقال](٨) : (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)(٩) أي : بساتين وأنهار ، (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ).
قال ابن عباس : «إن عصيتموني» (١٠) عذاب يوم عظيم.
قوله : (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ) فيه وجهان :
أحدهما : أن الجملة الثانية بيان للأولى وتفسير لها (١١).
والثاني : أن (١٢) «بأنعام» بدل من قوله : (بِما تَعْلَمُونَ) بإعادة العامل (١٣) ، كقوله : (اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ (أَجْراً))(١٤)(١٥) [يس : ٢٠ ـ ٢١].
قال أبو حيان : والأكثرون لا يجعلون هذا بدلا وإنما يجعلونه تكريرا (١٦) ، وإنما يجعلون بدلا بإعادة العامل إذا كان حرف جر من غير إعادة متعلقه نحو : «مررت بزيد بأخيك» ولا يقولون : «مررت بزيد مررت بأخيك» على البدل (١٧).
قوله : (أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) معادل لقوله : (أَوَعَظْتَ). وإنما أتى بالمعادل كذا
__________________
ـ البصرية ١ / ١٢٦ ، البحر المحيط ٧ / ٣٣. وأتى به استئناسا لقراءة التشديد ، ويعني بالمخلد المنعم المرفه الذي يلبس الخلد ، وهو السّوار أو القرط. الأوجال : جمع وجل ، وهو الفزع.
(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٢.
(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٢.
(٣) انظر القرطبي ١٣ / ١٢٤ ، البحر المحيط ٧ / ٣٢.
(٤) في ب : أي إذا.
(٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٣٣.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٧.
(٧) في ب : ولما جرد ذكر.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٧.
(١٠) انظر البغوي ٦ / ٢٣٠.
(١١) انظر التبيان ٢ / ٩٩٩.
(١٢) أن : سقط من ب.
(١٣) في ب : القليل. وهو تحريف.
(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٥) [يس : ٢٠ ، ٢١] ، وانظر البحر المحيط ٧ / ٣٣.
(١٦) قال أبو حيان : ويسمى التتبع.
(١٧) البحر المحيط ٧ / ٣٣.