مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) كثيرة في الدنيا ، يعني كفار مكة ، ولم نهلكهم (ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) يعني : العذاب (ما (١) أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) في تلك السنين ، أي : إنهم وإن طال تمتعهم بنعم الدنيا ، فإذا أتاهم العذاب لم يغن طول التمتع عنهم شيئا ، ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط.
قوله : (ما أَغْنى عَنْهُمْ)(٢) يجوز أن تكون «ما» استفهامية في محل نصب مفعولا مقدما ، و (ما كانُوا) هو الفاعل (٣) ، و «ما» مصدرية بمعنى : أيّ شيء أغنى عنهم كونهم متمتعين. وأن تكون نافية (٤) ، والمفعول محذوف ، أي : لم يغن عنهم تمتعهم شيئا.
وقرىء «يمتعون» بإسكان الميم وتخفيف التاء (٥) من : أمتع الله زيدا بكذا.
قوله : (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) يجوز أن تكون الجملة صفة ل «قرية» (٦) وأن تكون حالا منها. وسوغ (٧) ذلك سبق النفي (٨). وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف عزلت الواو عن الجملة بعد «إلّا» ولم تعزل عنها في قوله : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) [الحجر : ٤]؟ قلت : الأصل عزل الواو ، لأنّ الجملة صفة ل «قرية» وإذا زيدت فلتأكيد وصل الصفة (٩) بالموصوف ، كما في قوله (١٠) : (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ)(١١) [الكهف : ٢٢]. قال أبو حيان : ولو قدرنا «لها منذرون» جملة لم يجز أن تجيء صفة بعد (إلّا) ، ومذهب الجمهور أنه لا تجيء الصفة بعد «إلّا» معتمدة على أداة الاستثناء (١٢) ، نحو : ما جاءني أحد إلّا راكب. وإذا سمع مثل هذا خرّجوه على البدل ، أي : إلّا رجل راكب ، ويدل على صحة هذا المذهب أنّ العرب تقول : ما مررت بأحد إلّا قائما ولا يحفظ عنهم «إلّا قائم» يعني : بالجر ، فلو كانت الجملة صفة بعد «إلّا» (لسمع الجرّ) (١٣) في هذا(١٤). وأيضا (١٥) فلو كانت الجملة صفة للنكرة لجاز أن تقع صفة المعرفة بعد «إلّا». يعني نحو : ما مررت بزيد إلّا العاقل.
__________________
ـ موضع المفعول الثاني) الكتاب ١ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠. وقال أبو حيان : (وتقرر في علم العربية أن أرأيت إذا كانت بمعنى أخبرني تعدت إلى مفعولين أحدهما منصوب والآخر جملة استفهامية في الغالب ، تقول العرب : أرأيت زيدا ما صنع وما جاء مما ظاهره خلاف ذلك أوّل) البحر المحيط ٧ / ٤٣ ، وانظر الهمع ١ / ١٥٥.
(١) في ب : فما.
(٢) عنهم : سقط من ب.
(٣) انظر البيان ٢ / ٢١٧.
(٤) انظر البيان ٢ / ٢١٧ ، التبيان ٢ / ١٠٠٢.
(٥) المختصر (١٠٨) ، الكشاف ٣ / ١٢٨ ، البحر المحيط ٧ / ٤٤ ، ولم يعزها أحد إلى قارىء.
(٦) انظر نص الزمخشري الآتي.
(٧) في ب : ومسوغ.
(٨) انظر البحر المحيط ٧ / ٤٤.
(٩) في الأصل : الصلة.
(١٠) قوله : سقط من ب.
(١١) [الكهف : ٢٢] ، الكشاف ٣ / ١٢٨ ـ ١٢٩.
(١٢) أي : مقصودا بها وصف ما قبل (إلا).
(١٣) ما بين القوسين في ب : سمع الجر أيضا.
(١٤) يعني في المفرد ، وهو قولهم : ما مررت بأحد إلا قائما ، فكان يقال : قائم أيضا.
(١٥) وأيضا : سقط من ب.