ثم قال : فإن كانت الصفة غير معتمدة على الأداة (١) جاءت الصفة بعد «إلّا» نحو : ما جاءني أحد إلّا زيد خير من عمرو ، والتقدير : ما جاءني أحد خير من عمرو إلّا زيد.
وأمّا كون الواو تزاد لتأكيد وصل الصفة بالموصوف فغير معهود في عبارة النحويين ، لو قلت : جاءني رجل وعاقل. لم يجز ، وإنما تدخل الواو في الصفات جوازا إذا عطف (٢) بعضها على بعض وتغاير مدلولها ، نحو : «مررت بزيد الشجاع والشاعر» (٣). وأما (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف : ٢٢] فتقدم الكلام عليه (٤).
قال شهاب الدين : أما كون الصفة لا تقع بعد (إلّا) معتمدة فالزمخشري يختار غير هذا ، فإنّها مسألة خلافية (٥) ، وأما كونه لم يقل (إلّا قائما) بالنصب دون «قائم» بالجر فذلك (٦) على أحد الجائزين ، وليس فيه دليل على المنع من قسيمه. وأما قوله : فغير معهود في كلام النحويين. فممنوع ، هذا ابن جنّي نصّ عليه في بعض كتبه (٧) ، وأما (٨) إلزامه أنها لو كانت الجملة صفة بعد (إلّا) للنكرة ، لجاز أن تقع صفة المعرفة بعد (إلّا) فغير لازم ، لأنّ ذلك مختص بكون الصفة جملة ، وإذا كانت جملة تعذر كونها صفة للمعرفة ، وإنّما اختص ذلك بكون الصفة جملة ، لأنها لتأكيد وصل الصفة والتأكيد لائق بالجمل.
وأمّا قوله : لو قلت : جاءني رجل وعاقل. لم يجز ، فمسلّم ، ولكن إنما امتنع ذلك في الصفة المفردة لئلا يلبس أن الجائي اثنان : رجل وآخر عاقل ، بخلاف كونها جملة فإنّ اللبس منتف ، وقد تقدم (الكلام في) (٩)(سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ)(١٠) [الكهف : ٢٢].
قوله : «ذكرى» يجوز فيها أوجه :
أحدها : أنها مفعول من أجله ، وإذا كانت مفعولا من أجله ففي العامل فيها وجهان : أحدهما : «منذرون» على أنّ المعنى : منذرون لأجل الموعظة والتذكرة (١١).
الثاني : «أهلكنا».
قال الزمخشري : والمعنى : وما أهلكنا من أهل قرية ظالمين إلّا بعد ما ألزمناهم الحجّة بإرسال المنذرين إليهم ، ليكون تذكرة وعبرة لغيرهم ، فلا يعصون (١٢) مثل
__________________
(١) في ب : الإعادة. وهو تحريف.
(٢) في ب : عطفت.
(٣) في ب : وبالشاعر. وهو تحريف.
(٤) البحر المحيط ٧ / ٤٤ بتصرف يسير وانظر أيضا ٦ / ١١٤ ـ ١١٥.
(٥) انظر شرح المفصل ٢ / ٩٣.
(٦) في ب : فذاك.
(٧) لم أهتد إليه في الخصائص أو في سر صناعة الإعراب.
(٨) في ب : فأما.
(٩) الكلام في : تكملة من الدر المصون.
(١٠) [الكهف : ٢٢]. الدر المصون ٥ / ١٧١.
(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٢٨.
(١٢) في الأصل : فلا يعصوا.