______________________________________________________
مع مخالفته للمعنى اللغوي ـ قوله تعالى : ( وَإِنْ تَصْبِرُوا .. ) ، إذ الصبر لا يكون إلا مع حصول المشقة ، ولا يكفي في تحقق مفهومه خوفها ، فيتعين إرادة الثاني ، إذ لا ثالث لهما. وعن بعض الفقهاء : أنه المعنى الشرعي للعنت ، نقل اليه عن المعنى اللغوي. لكنه ـ كما ترى ـ غير ظاهر.
والعلامة في القواعد مع أنه في هذا المقام فسر العنت بمشقة الترك ، قال في مبحث نكاح الإماء : « وخوف العنت إنما يحصل بغلبة الشهوة ، وضعف التقوى ». فكأنه حمل خشية العنت على خشية أثره مع تحققه فعلاً ، نظير قوله تعالى ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (١) ، وقوله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) (٢) ، لا على خشية نفسه ، نظير قوله تعالى ( تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها ) (٣) ، وقوله تعالى ( خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ) (٤). وعلى هذا لا يكون خلاف في معنى العنت ، بل الخلاف في معنى خوف العنت ، فهو بمعنى المشقة الشديدة ، وخوفه : إما بمعنى خوف وقوعه ، أو بمعنى خوف أثره بعد المفروغية عن وقوعه. فالمشهور على الثاني. وغيرهم على الأول. وبذلك يرتفع ظهور التنافي بين كلامي العلامة ، وترتفع الغرابة عن تفسير المشهور بخوف الزنا.
نعم يبقى الإشكال في وجه تخصيص الزنا من بين الآثار المترتبة على المشقة الشديدة ، التي يخاف مما يترتب عليها ، فإنه لا قرينة على إرادته من أثر العنت. بل من الجائز أن يكون المراد مطلق المحذور المترتب على المشقة ، سواء لم يكن بالاختيار ، مثل المرض ونحوه ، أم كان بالاختيار ، مثل
__________________
(١) فاطر : ٢٨.
(٢) البينة : ٨.
(٣) التوبة : ٢٤.
(٤) الاسراء : ٣١.