المجلس التاسع والستّون
لمّا قُتل جميع أنصار الحسين (ع) وأهل بيته ولم يبقَ معه أحد ، أقبل شمر في جماعة من أصحابه فأحاطوا بالحسين (ع) ، فضربه مالك بن النّسر الكندي على رأسه الشريف بالسّيف ـ وكان على رأسه برنس ـ فقطع البرنس ووصل السّيف إلى رأسه فامتلأ البرنس دماً ، ثمّ ألقى البرنس ودعا بخرقة فشدّ بها رأسه واستدعى بقلنسوة اُخرى فلبسها واعتمّ عليها. ورجع شمر ومَن معه عن الحسين (ع) إلى مواضعهم ، فمكثوا هُنيهة ثمّ عادوا إليه ، فأخذ الحسين (ع) يشدّ عليهم فينكشفون عنه ، ثمّ إنّهم أحاطوا به ، ثمّ ضارب الرجّالة حتّى انكشفوا عنه ، وكان قد ضعف عن القتال. وتحاماه النّاس فمكث طويلاً من النّهار ، وكلّما جاءه أحد انصرف عنه ؛ كراهية أنْ يلقى الله بدمه. فصاح شمر بالفرسان والرجّالة : ويحكم! ما تنتظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم اُمّهاتكم. فحملوا عليه من كلّ جانب ، فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى ، وضرب الحسين (ع) زرعة فصرعه ، وضربه آخر على عاتِقه بالسّيف ضربة كبا بها لوجهه ، وكان قد أعيا وجعل يقوم ويكبو ، وطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ثمّ انتزع الرّمح فطعنه في بواني (١) صدره ورماه بسهم فوقع في نحره ، فسقط وجلس قاعداً فنزع السّهم من نحره ، وقرن كفيه جميعاً فكلّما أمتلأتا من دمائه خضّب بها رأسه ولحيته ، وهو يقول : «هكذا ألقى الله مخضَّباً بدمي مغصوباً عليَّ حقّي». قال هلال بن نافع : إنّي لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ : أبشر أيّها الأمير ، فهذا شمر قد قتل الحسين. فخرجتُ بين الصفّين فوقفت عليه وإنّه ليجود بنفسه ، فوالله ، ما رأيت قتيلاً مضمّخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن
______________________
(١) البواني : الأضلاع المقدّمة في الصدر. ـ المؤلّف ـ