المجلس الثامن والستّون
لمّا اُثخن الحسين (ع) بالجراح وبقي كالقنفذ ، طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط (ع) عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن ، ثمّ قام وخرجت اُخته زينب إلى باب الفسطاط وهي تنادي : وآ أخاه! وآ سيّداه! وآ أهل بيتاه! ليت السّماء اُطبِقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السّهل. ودنا عمر بن سعد ، فقالت : يا عمر ، أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! فدمعت عيناه حتّى سالت دموعه على خدّيه ولحيته ، وصرف وجهه عنها ولم يُجبها بشيء ، فنادت : ويلكم! أما فيكم مسلم؟! فلم يُجبها أحد بشيء. وقاتل (ع) راجلاً قتال الفارس الشجاع يتّقي الرّمية ويفترص العورة ، ويشدّ على الخيل وهو يقول : «أعَلى قتلي تجتمعون؟! أما والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله ، الله اسخط عليكم لقتله مني ، وايم الله ، إنّي لأرجو أنْ يكرمني الله بهوانِكم ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون ، أما والله ، لو قتلتموني لألقى اللهُ بأسَكم بينكم وسفك دماءكم ثمّ لا يرضى لكم بذلك حتّى يُضاعف لكم العذاب الأليم». ولمْ يزل يُقاتل حتّى أصابته عشرات الجراحات ، فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حَجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدّم عن جبهته فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه ، فقال (ع) : «بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله (ص)». ثمّ رفع رأسه إلى السّماء وقال : «إلهي ، تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبيٍّ غيره» ، ثمّ أخذ السّهم فأخرجه من وراء ظهره ، فانبعث الدّم كأنّه ميزاب فضعف ووقف.
سهمٌ أصابَ حشاكَ يابنَ المُصطفَى |
|
سهمٌ به كبَدُ الهدايةِ قدْ رُميْ |