ولا بعده مثله ؛ إنْ كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إنْ شدّ فيها الذئب. ولقد كان يحمل فيهم ، وقد تكمّلوا ثلاثين ألفاً ، فينهزمون من بين يدَيه كأنّهم الجراد المنتشر ، ثمّ يرجع إلى مركزه وهو يقول : «لا حول ولا قوّة إلا بالله». فلمّا رأى شمر ذلك ، استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجّالة ، وأمر الرّماة أنْ يرموه فرشقوه بالسّهام حتّى صار كالقنفذ ، فأحجم عنهم فوقفوا بإزائه ، وجاء شمر في جماعة من أصحابه فحالوا بينه وبين رَحله الذي فيه ثقله وعياله ، فصاح الحسين (ع) : «ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان! إنْ لمْ يكن لكم دِين وكنتم لا تخافون يوم المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إنْ كنتم عُرُباً كما تزعُمون». فناداه شمر : ما تقول يابن فاطمة؟ فقال : «أقول : إنّي اُقاتلكم وتقاتلونني والنّساء ليس عليهنّ جُناح ، فامنعوا عُتاتكم وجُهّالكم وطغاتكم من التعرّض لحَرَمي ما دمتُ حيّاً». فقال شمر : لك ذلك يابن فاطمة. ثمّ صاح : إليكم عن حَرَم الرجل واقصدوه بنفسه ، فلَعمري هو كفؤ كريم. فقصدوه بالحرب ، وجعل شمر يحرّضهم على الحسين (ع) ، فجعلوا يحملون على الحسين (ع) والحسين يحمل عليهم فينكشفون عنه ، وهو في ذلك يطلب شربة من الماء فلا يجد ، وكلمّا حمل بفرسه على الفرات ، حملوا عليه بأجمعهم حتّى أجلَوه عنه.
يرى الفراتَ ولا يحظَى بموردِهِ |
|
ليت الفراتَ غدا منْ بعدِهِ يبسَا |