المجلس الحادي والسّبعون
لمّا قُتل الحسين (ع) ، وضعت اُمّ كلثوم يدها على اُمِّ رأسها ونادت : وآ محمّداه! وآ جعفراه! وآ حمزتاه! وآ حسناه! هذا حسين بالعرا ، صريع بكربلاء ، محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرّدا. وأقبل القوم على نهب بيوت آل بيت الرّسول وقرّة عين الزهراء البتول عليهاالسلام. قال حميد بن مسلم : رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد ، فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين (ع) في فسطاطهن وهم يسلبونهن ، أخذت سيفاً وأقبلتْ نحو الفسطاط ، وقالت : يا آل بكر بن وائل ، أتُسلب بنات رسول الله؟! لا حكم إلاّ لله ، يا لثارات رسول الله! فأخذها زوجها وردّها إلى رحله. وانتهوا إلى علي بن الحسين زين العابدين (ع) وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض ، وكان مريضاً بالذرب (أي الإسهال) وقد أشرف على الموت ، ومع شمر جماعة من الرجّالة فقالوا له : ألا نقتل هذا العليل؟ فأراد شمر قتله ، فقال له حميد بن مسلم : سبحان الله! أتقتل الصبيان؟! إنّما هو صبيّ وأنّه لما به. فلم يزل يدفعهم عنه حتّى جاء عمر بن سعد فصاحت النّساء في وجهه وبكين ، فقال لأصحابه : لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء ولا تتعرضوا لهذا الغلام المريض ، ومَن أخذ من متاعهنّ شيئاً فليردّه. فلم يردّ أحد شيئاً. وفي رواية : أنّهم أشعلوا النّار في الفسطاط فخرجن منه النّساء باكيات مُسلَّبات. ونادى عمر بن سعد في أصحابه : مَن ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره وصدره؟ فانتدب منهم عشرة ، فداسوا الحسين (ع) بحوافر خيولهم حتّى رضّوا ظهره وصدره ، وجاء هؤلاء العشرة حتّى وقفوا على ابن زياد ، فقال أحدهم :
نحنُ رَضضْنا الصَّدرَ بعدَ الظَّهرِ |
|
بكلِّ يَعبُوبٍ شديدِ الأسرِ |
فقال ابن زياد : مَن أنتم؟ قالوا : نحن الذين وطأنا بخيولنا ظهر الحسين حتّى طحنّا جناجن