المجلس الثاني والسّبعون
لمّا كان يوم عاشوراء ، سرّح عمر بن سعد ذلك اليوم برأس الحسين (ع) مع خولي بن يزيد إلى عبيد الله بن زياد. قال الطبري وابن الأثير وغيرهما : فوجد القصر مغلقاً ، فأتى بالرأس إلى منزله فوضعه تحت إجّانة ودخل فراشه ، وقال لامرأته : جئتك بغنى الدّهر ، هذا رأس الحسين معكِ في الدّار. فقالت : ويلك! جاء النّاس بالذّهب والفضّة وجئت برأس ابن بنت رسول الله (ص)! والله ، لا يجمع رأسي ورأسك بيت. وقامت من الفراش فخرجت إلى الدار. وأمر ابن سعد برؤوس الباقين من أصحاب الحسين (ع) وأهل بيته فقُطّعت ـ وكانت اثنين وسبعين رأساً ـ وسرّح بها إلى ابن زياد ، وأقام بقيّة اليوم العاشر واليوم الحادي عشر إلى الزوال ثمّ توجّه إلى الكوفة. وحمل معه نساء الحسين (ع) وبناته وأخواته ومَن كان معه من الصبيان وفيهم علي بن الحسين عليهماالسلام قد نهكته العلّة ، فقالت النّسوة : بحقّ الله إلاّ ما مررتم بنا على مصرع الحسين (ع). فمرّوا بهم على الحسين (ع) وأصحابه وهم صرعى ، فلمّا نظرت النّسوة إلى القتلى ، صحن وضربن وجوههن. قال الرّاوي : فوالله ، لا أنسى زينب بنت علي عليهماالسلام وهي تندب الحسين (ع) وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : يا محمّداه! صلّى عليك مليك السّماء ، هذا حسينك مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى وإلى محمّد المصطفى وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء وإلى حمزة سيّد الشهداء. يا محمّداه! هذا حسين بالعرا تسفي عليه ريح الصبا ، وآ حزناه! وآ كرباه عليك يا أبا عبد الله! اليوم مات جدّي رسول الله. يا أصحاب محمّد ، هؤلاء ذرّيّة المصطفى يُساقون سَوق السبايا! وفي بعض الروايات : وآ محمّداه! بناتك سبايا وذرّيّتك مقتّلة تسفي عليهم ريح الصّبا ، وهذا حسين محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرّدا ، بأبي مَن أضحى عسكره يوم الاثنين نهباً ، بأبي مَن فسطاطه مقطّع العرى ، بأبي مَن لا غائب فيرتجى ولا جريح فيداوى ، بأبي مَن نَفسي له الفدا ، بأبي المهموم حتّى قضى ، بأبي العطشان حتّى مضى ، بأبي مَن شيبته تقطر