كمْ دارعٍ منْ قومِكُمْ وحاسرِ |
|
وبطلٍ جدّلتُهُ مُغاورِ |
وجعلت ابنته تقول : يا أبت ، ليتني كنت رجلاً اُخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة ، قاتِلي العترة البررة. وجعل القوم يدورون عليه من كلّ جهة وهو يذبّ عن نفسه ، فليس يقدم عليه واحد ، وكلمّا جاؤوه من جهة قالت ابنته : يا أبت جاؤوك من جهة كذا حتّى تكاثروا عليه وأحاطوا به ، فقالت ابنته : وآذلاّه! يُحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به. فجعل يدير سيفه ويقول :
اُقسمُ لو يُفسحُ ليْ عنْ بَصرِي |
|
ضاقَ عليكُمْ موْرِدي ومصدَري |
قال : فما زالوا به حتّى أخذوه ، ثمّ حُمل فاُدخل على ابن زياد ، فلمّا رآه قال : الحمد لله الذي أخزاك. فقال له عبد الله : يا عدوّ الله ، وبماذا أخزاني؟
اُقسمُ لو يُفسحُ ليْ عنْ بَصرِي |
|
ضاقَ عليكُمْ موْرِدي ومصدَري |
فقال له ابن زياد : يا عدوّ الله ، ما تقول في عثمان بن عفّان؟ قال : يا عبد بني علاج ، يابن مرجانة ، ـ وشتمه ـ ما أنت وعثمان ، أساء أم أحسن وأصلح أم أفسد؟ والله تبارك وتعالى وليّ خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحقّ ، ولكن سلني عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه. فقال ابن زياد : والله ، لا أسألك عن شيء أو تذوق الموت غصّة بعد غصّة. فقال عبد الله بن عفيف : الحمد لله ربّ العالمين ، أما إنّي قد كنت أسأل الله ربّي أنْ يرزقني الشّهادة من قبل أنْ تلدك اُمّك ، وسألتُ الله أنْ يجعل ذلك على يد ألعن خلقه وأبغضهم إليه ، فلمّا كفّ بصري يئستُ من الشّهادة ، والآن فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها ، وعرّفني الإجابة منه في قديم دعائي. فقال ابن زياد : اضربوا عنقه. فضُربت عنقه وصُلب في السّبخة.
أبَتْ الحميّةُ أنْ تُفارقَ أهلَها |
|
وأبَى العزيزُ بأنْ يعيشَ ذَليلا |
فيا وقعةً لمْ يُوقعْ الدّهرُ مثلَها |
|
وفادحةً تُنسى لديها فوادحُهْ |