يُسار بها عُنفاً بلا رفق محرمِ |
|
بها غير مغلولٍ يحنّ على صعبِ |
ويحضرُها الطّاغي بناديه شامتاً |
|
بما نال أهلَ البيت من فادح الخطبِ |
وسار علي (ع) ، فلمّا قارب (ضجنان) (١) أدركه الطّلب ؛ وهم ثمانية فرسان ملثّمون ومعهم مولى لحرب بن اُميّة اسمه جناح. فقال علي (ع) لأيمن وأبي واقد : «أنيخا الإبل واعقلاها». وتقدّم فأنزل النّسوة ، ودنا القوم فاستقبلهم علي (ع) مُنتضياً سيفه ، فقالوا : ظننت أنّك ـ يا غدّار ـ ناجٍ بالنّسوة؟ ارجع لا أبا لك. قال : «فإنْ لم أفعل؟». قالوا : لترجعن راغماً أو لنرجعن بأكثرك شعراً (أي برأسك) ، وأهون بك من هالك. ودنا الفوارس من المطايا ليثوروها ، فحال علي (ع) بينهم وبينها ، فأهوى له جناح بسيفه فراغ علي (ع) عن ضربته ، وضربه على عاتقه فقتله ، وشدّ على أصحابه ـ وهو على قدميه ـ شدّة ضيغم ، وهو يرتجز ويقول :
خلّوا سبيلَ الجاهد المُجاهدِ |
|
آليتُ لا أعبدُ غيرَ الواحدِ |
فتفرّق القوم عنه وقالوا : احبس نفسك عنّا يابن أبي طالب. قال : «فإنّي منطلق إلى أخي وابن عمّي رسول الله ، فمَن سرّه أنْ أفري لحمه واُريق دمه فليدنُ منّي». ثُمّ أقبل على أيمن وأبي واقد ، وقال : «إطلقا مطاياكما». ثُمّ سار ظافراً قاهراً حتّى نزل (ضجنان) فلبث بها يومه وليلته ، ولحق به نفر من المُستضعفين من المؤمنين ، فيهم اُم أيمن مولاة رسول الله (ص). وبات ليلته تلك هو والفواطم ، طوراً يصلّون وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم حتّى طلع الفجر ، فصلّى بهم صلاة الفجر ، ثُمّ سار لا يفتر عن ذكر الله هو ومَن معه حتّى قدموا المدينة.
ذكّرني دخول علي (ع) المدينة مع الفواطم ظافراً قاهراً لم يُصب بسوء ، دخول ولده زين العابدين (ع) المدينة مع بنات الفواطم ، لكن شتّان ما بين الدّخولين ، فأمير المؤمنين (ع) قد دخل المدينة ظافراً منصوراً على أعدائه ، وولده زين العابدين (ع) دخل المدينة بنساء أهل بيته بعد رجوعه من كربلاء ، وقد قُتل أبوه الحسين (ع) وقُتلت جميع أنصاره وأهل بيته عليهمالسلام ، وذُبحت أطفاله وسُبيت عياله ، فدخل (ع) إلى المدينة فرآها موحشة باكية ، ووجد ديار أهله خالية تنعى أهلها وتندُب سُكانها.
مررتُ على أبيات آل محمّدٍ |
|
فلم أرها أمثالها يوم حلّتِ |
فلا يُبعد الله الدّيار وأهلها |
|
فلا يُبعد الله الدّيار وأهلها |
____________________
(١) مكان بين مكة والمدينة.