صَمُت فعليه الوِقار وإنْ تكلّم سما وعلاه البهاء (١) ، أجمل النّاس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأجمله من قريب ، حلو المنطق فصل (٢) لا نزر ولا هذر (٣) ، كأنّ منطقه خرزات نظم يتحدّرن ربعة ، لا ييأس من طول ولا تقحمه (٤) عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنضر (٥) الثّلاثة منظراً وأحسنهم قدّاً ، له رُفقاء يحفّون به إنْ قال أنصتوا لقوله ، وإنْ أمر تبادروا إلى أمره ، محفود (٦) محشود (٧) لا عابس ولا مفند (٨). قال أبو معبد : هو ـ والله ـ صاحب قُريش الذي ذُكر لنا من أمره بمكّة ما ذُكر ، ولقد هممت بأنْ أصحبه ولأفعلنّ إنْ وجدت إلى ذلك سبيلاً. وقيل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : كيف لم يصف أحد النّبي كما وصفته اُمّ معبد؟ فقال : «لأنّ النّساء يصفن الرّجال بأهوائهن ، فيُجدن في صفاتهن». وكان أشبه النّاس برسول الله ولده الحسين وعلي بن الحسين الأكبر ، وكانت الزّهراء عليهاالسلام تقول للحُسين (ع) وهي ترقصه :
أنتَ شبيهٌ بأبيْ |
|
لستَ شبيهاً بِعليْ |
وترقص الحسن (ع) وتقول :
إشبه أباك يا حسنْ |
|
واخلع عن الحقّ الرّسنْ |
واعبد الهاً ذا منن |
|
ولا توالِ ذا الإحنْ |
ولذلك لمّا حضر رأس الحسين (ع) بين يدي ابن زياد ، فجعل ينظر إليه ويبتسم ، وكان في يده قضيب ، فجعل يضرب به ثنياه ، ويقول : إنّه كان حسن الثّغر. وكان عنده أنس بن مالك ، فبكى أنس وقال : كان أشبههم برسول الله. ولمّا برز علي الأكبر يوم كربلاء ، نظر إليه الحسين (ع) نظرة آيس منه وأرخى عينيه فبكى ، ثُمّ رفع سبابتيه نحو السّماء ، وقال : «اللهمّ كُن أنت الشّهيد عليهم ، فقد برز إليهم غلام أشبه النّاس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك ، وكُنّا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إليه». ألا لعن الله أهل الكوفة ، فما رقّت قلوبهم لشبيه رسول الله علي الأكبر حتّى قطّعوه بأسيافهم ، ووقف عليه
____________________
(١) الحسن والجمال.
(٢) يفصل بين الحقِّ والباطل.
(٣) لا قليل ولا كثير.
(٤) تحتقره.
(٥) أجمل.
(٦) مخدوم.
(٧) يتبعه حشد لخدمته.
(٨) لا يجرأ أحد على تخطئته وتنفيد رأيه.