قسمة ضيزى. فقال علي (ع) : «دع هذا يا عمرو ، إنّك كنت تقول لا يعرض عليّ أحدٌ ثلاث خصال إلاّ أجبته ولو إلى واحدة ، وأنا أعرض عليك ثلاث خصال». قال : هات. قال : «الاُولى : أنْ تشهد أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله (ص)». قال : نحِّ عن هذا ، وما الثّانية؟ قال : «أنْ تردّ هذا الجيش عن رسول الله (ص) ، فإنْ يك صادقاً فأنتم أعلى به عيناً ، وإنْ يك كاذباً كفاكم النّاس أمره». قال : إذاً تتحدّث نساء قريش أنّي جبنت وخذلت قوماً رأسوني عليهم ، وما الثّالثة؟ قال : «أنْ تنزل إليّ فأنت راكب وأنا راجل». فنزل عن فرسه وعقره ، وقال : هذه خصلة ما ظننت أنّ أحداً من العرب يسومني عليها. ثُمّ تجاولا فثارت لهما غبرة وارتهما عن العيون ، إلى أنْ سمع النّاس التّكبير عالياً من تحت الغبرة فعلموا أنّ عليّاً قتله ، وأنجلت الغبرة فإذا أمير المؤمنين (ع) قد قتله ، وهو ينشد :
أنا عليٌ وابنُ عبد المطلبْ |
|
الموتُ خيرٌ للفتى من الهربْ |
وفرّ أصحابه فعبروا الخندق إلاّ رجلاً منهم يُسمى نوفلاً لحقه علي (ع) فقتله في الخندق ، ثُمّ وضع الرّأس بين يدي النّبي (ص) ، فقال رسول الله : «اليوم نغزوهم ولا يغزوننا». وقال (ص) : «ضربة علي يوم الخندق تعدل عمل الثّقلين إلى يوم القيامة». وانهزم المشركون بقتل عمرو وكفى الله المؤمنين القتال بعلي (ع). قال أبو بكر بن عياش : لقد ضرب علي (ع) ضربة ما كان في الإسلام أيمن منها : يعني ضربة عمرو بن عبد ود. ولقد ضُرب (ع) ضربة ما كان في الإسلام أشأم منها : يعني ضربة ابن ملجم لعنه الله. فضربة علي يوم الخندق قد أعزّت الإسلام وأرست قواعد الدّين ، وردّت الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً ، وكفى الله بها المؤمنين القتال. وضربة ابن ملجم رأس علي (ع) ، أذلّت الإسلام وهدّمت قواعد الدّين ، ومهدّت مُلك بني اُميّة الذين جرعوا آل بيت رسول الله (ص) الغصص ، ودسّوا السّم إلى الحسن بن علي (ع) حتّى تقيّأ كبده في الطّست قطعة قطعة ، وجهّزوا الجيوش لقتال الحسين (ع) حتّى قُتل غريباً عطشان ظامياً وحيداً فريداً بأرض كرب وبلاء.
وجرّعتْ السّبطين بعد أبيهما |
|
كؤوسَ شجى أفصحن عن كامن النّصبِ |
وأظمتْ على الماء الحسينَ وأوردتْ |
|
دماءَ وريديه سيوفُ بني حربِ |