جعله جسراً على الخندق حتّى عبر عليه النّاس ، ثُمّ دحا به أذرعاً من الأرض. وقال ابن الأثير : فلمّا دنا علي (ع) من الحصن ، خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه يهودي فطرح ترسه من يده ، فتناول علي (ع) باباً كان عند الحصن فتترّس به عن نفسه ، فلم يزل يُقاتل حتّى فتح الله على يده ثُمّ ألقاه من يده. قال أبو رافع مولى رسول الله (ص) : فلقد رأيتني في سبعة نفر أنا ثامنهم نجهد أنْ نقلب ذلك الباب فما نقلبه. وأسر أميرالمؤمنين (ع) صفية بنت حيي بن أخطب وامرأة معها ، وأرسلهما مع بلال إلى رسول الله (ص) ، فمرّ بهما بلال على قتلى اليهود ، فلمّا رأتهم التي مع صفية ، صرخت وصكّت وجهها وحثت التّراب على رأسها ، فقال رسول الله لبلال : «أنزعت منك الرّحمة؟ جئت بهما على قتلاهما!». ما هان على رسول الله أنْ يمرّ بلال بامرأتين يهوديتين على قتلاهما ، وأهل الكوفة مرّوا ببنات رسول الله يوم كربلاء على مصارع الشّهداء! فلمّا نظر النّسوة إلى الحسين (ع) وأصحابه مطروحين على الرّمضاء ، صحن وضربن وجوههنّ. قال الرّاوي : فوالله ، لا أنسى زينب بنت علي وهي تندب الحسين (ع) وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : يا محمّداه! صلّى عليك مليك السّما ، هذا حُسينك مرمّل بالدّما ، مقطّع الأعضا. ومحمّداه! بناتك سبايا ، وذرّيّتك مُقتّلة تسفي عليهم ريح الصّبا ، وهذا حسين محزوز الرّأس من القفا ، مسلوب العمامة والرّدا. بأبي مَن لا هو غائب فيُرتجى ولا جريح فيداوى ، بأبي المهموم حتّى قضى ، بأبي العطشان حتّى مضى ، بأبي من شيبته تقطر بالدّما. فأبكت والله ، كلّ عدوٍّ وصديق.
إنْ تنعَ أعطت كلَّ قلبٍ حسرةً |
|
أو تدعُ صدّعت الجبال الميّدا |
عبراتُها تُحيي الثّرى لو لم تكنْ |
|
زفراتُها تدَعُ الرّياض همودا |
نادتْ فقطّعت القلوب بشجوها |
|
لكنّما انتظم البيانُ فريدا |
إنسانُ عيني يا حسينُ أخي أيا |
|
أملي وعقد جماني المنضودا |
مالي دعوتُ فلا تجيب ولم تكنْ |
|
عوّدتني من قبل ذاك صدودا |