المجلس الخامس والعشرون بعد المئة
كان رسول الله قد هادن قريشاً في عام الحديبية عشر سنين ، ودخلت خزاعة معه ، وكان بين خزاعة وعبد المطّلب حلف قبل الإسلام ، وجعلت قريش بني بكر داخلة معها ، وكانت بين خزاعة وبني بكر أحقاد في الجاهلية ، فعَدت بنو بكر على خزاعة بموضع يُقال له الوتير وقتلوا منهم ، وعاونتهم قريش سرّاً بالمال والرّجال ، فجاءت خزاعة تستصرخ النّبي ، وأنشد قائلهم :
لاهُم إنّي ناشدٌ محمّدا |
|
حلفَ أبينا وأبيك الأتلدا |
إنّ قريشاً أخلفوك الموعدا |
|
ونقضوا ميثاقك المؤكّدا |
هم بيّتونا بالوتير هُجّدا |
|
نتلوا القرآنَ رُكّعاً وسُجّدا |
فقام مُغضباً يجرّ رداءه ، وقال : «لا نُصرتُ إنْ لم أنصر خُزاعة مما أنصر منه نفسي». وندمت قريش على ما صنعت ، فأرسلت أبا سفيان ليجدد الحلف مع النّبي ، فقال رسول الله : «هل حدث عندكم شيء؟». قال : لا. قال : «فإنّا على صلحنا لا نُغيّر ولا نُبدّل». فدخل أبو سفيان على ابنته اُمّ حبيبة زوجة النّبي ، فلمّا أراد الجلوس على فراش رسول الله ، طوته. فقال : أرغبت بي عنه ، أم رغبت به عنّي؟ فقالت : هو فراش رسول الله وأنت مُشرك نجس. فقال : لقد أصابك بعدي شرّ. فقالت : بل هداني الله للإسلام. ورجع أبو سفيان وتجهّز رسول الله لفتح مكّة في عشرة آلاف ، وخرج بالجيش فلقيه عمّه العبّاس مهاجراً فأرجعه معه ، فلمّا كانوا قريباً من مكّة ، أمرهم أنْ يوقد كُلّ واحد منهم ناراً ، فأوقدوا عشرة آلاف نار ، وقال العبّاس : لئن بغت رسول الله قريشاً إنّه لهلاكها. فركب بغلة رسول الله وخرج لعلّه يرى أحداً يُرسل معه خبر إلى مكّة ، وكان أبو سفيان قد خرج يتجسس الأخبار ، فرآه العبّاس وأخبره ، وقال : اذهب معي لآخذ لك أماناً ، فوالله ، إنْ ظفر بك رسول الله