ليضربنّ عُنقك. فأردفه خلفه حتّى أدخله على رسول الله ، فقال له : «أما آن لك أنْ تعلم أنْ لا إله إلا الله؟». فقال : بأبي أنت واُمّي! لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئاً. فقال : «ألم يأن لك أنْ تعلم أنّي رسول الله؟». فقال : أمّا هذه ففي النّفس منها شيء. فقال له العبّاس : ويحك ، إشهد شهادة الحقّ قبل أنْ تُقتل. فتشهّد ، فقال النّبي للعباس : «اذهب فاحبس أبا سفيان بمضيق الوادي حتّى تمرّ عليه جنود الله». فقال : يا رسول الله ، إنّه يحب الفخر فاجعل له شيئاً. فقال : «مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومَن أغلق بابه فهو آمن». فمرّت عليه القبائل ، فيقول للعباس : مَن هؤلاء؟ فيقول : بنو فلان. حتّى مرّ رسول الله في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار ، فقال : مَن هؤلاء؟ فقال العبّاس : هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار. فقال : لقد أصبح مُلك ابن أخيك عظيماً! فقال العبّاس : ويحك إنّها النّبوة. فقال : نعم. وأمر رسول الله سعد بن عبادة أنْ يدخل مكّة بالرّاية ، فدخل وهو يقول :
اليومُ يومُ الملحمهْ |
|
اليومُ تُسبى الحُرَمهْ |
فسمعه العبّاس فأخبر النّبي فأمر عليّاً أنْ يلحقه ويأخذ الرّاية منه ، فأخذها علي (ع) ودخل بها. سمعتم أنّ رسول الله أكرم أبا سفيان مع عداوته له ومحاربته إيّاه بكرامة لم يجعلها لغيره ، فقال : «مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن». فلم تحفظ ذرّيّة أبي سفيان كرامة رسول الله في ذرّيّته. ولم يأمن الحسين (ع) ـ ابن بنت رسول الله ـ على نفسه حين خرج من المدينة إلى مكّة هارباً من طواغيت بني اُميّة ، فدسّ إليه يزيد بن معاوية ثلاثين رجلاً من شياطين بني اُميّة ، وأمرهم بقتل الحسين (ع) على أيّ حال اتّفق ، فاضطرّ الحسين (ع) أنْ يخرج من مكّة لمّا علم بذلك ، وكان قد أحرم بالحجّ ، فطاف وسعى وقصّر ، وأحلّ من إحرام الحجّ وجعلها عمرة مفردة ؛ لأنّه لم يتمكّن من إتمام الحجِّ ؛ مخافة أنْ يُقبض عليه. وخرج من مكّة يوم التّروية لثمان مضين من ذي الحجّة ، فكان النّاس يخرجون إلى منى والحسين (ع) خارج إلى العراق. حكى ابن صباغ المالكي في الفصول المُهمّة عن بعض الثُقات ، قال : رأيت علي بن أبي طالب (ع) في المنام ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، تقولون يوم فتح مكّة من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ثُمّ يتمّ لولدك الحسين (ع) يوم كربلاء منهم ما تمّ! فقال لي : «أما سمعت أبيات ابن الصّيفي التّميمي في هذا المعنى؟». فقلت : لا. فقال : «اذهب إليه واسمعها». فاستيقظت من نومي مُفكّراً ، ثُمّ إنّي ذهبت إلى دار ابن الصّيفي ـ وهو الحيص بيص المُلقّب بشهاب الدّين ـ فطرقت عليه الباب ، فخرج إليّ فقصصت عليه الرّؤيا ، فأنشد :