ولكنّ العجب ممّن يدّعون الإسلام ، وقد حملوا الهاشميات من بنات رسول الله وبنات علي وفاطمة اُسارى من بلد إلى بلد كأنّهنّ سبايا الترك أو الدّيلم ، وقابلوهن من الجفاء والغلظة بما تقشعرّ منه الجلود وتنفطر له القلوب! فمن ذلك لمّا اُدخل نساء الحسين (ع) وصبيانه على ابن زياد بالكوفة ، وفي جملتهم زينب اُخت الحسين (ع) ، وهي مُتنكّرة وعليها أرذل ثيابها ، فمضت حتّى جلست ناحية وحفّ بها إماؤها ، فقال ابن زياد : مَن هذه؟ فلم تجبه ، فأعاد القول ثانياً وثالثاً يسأل عنها. فقال له بعض إمائها : هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله. فأقبل عليها ابن زياد ، فقال : الحمد لله الذي قتلكم وفضحكم وأكذب اُحدوثتكم. فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد ، وطهّرنا من الرّجس تطهيراً ؛ إنّما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا. فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك الحسين وأهل بيتك؟ قالت : ما رأيت إلاّ جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاج وتُخاصم ؛ فانظر لمَن الفلج يومئذ ، ثكلتك اُمّك يابن مرجانة! قال : فغضب ابن زياد وكأنّه همّ بضربها ، فقال عمرو بن حُريث : يا أمير ، إنّها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها. فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعُصاة المردة من أهل بيتك. فرقّت زينب وبكت وقالت : لعمري يابن زياد ، لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي ، فإنْ كان هذا شفاؤك ، فقد اشتفيت. فقال ابن زياد : هذه سجّاعة ، ولعمري لقد كان أبوها سجّاعاً شاعراً.
تُصانُ بنتُ الدّعيّ في كِلل الملكِ |
|
وبنتُ الرّسول تُبتذلُ |
يُرجى رضى المصطفى فوا عجباً |
|
تُقتل أولادُه ويحتملُ |