الله عنه إذا ذكر ذلك يبكي ، ويقول : لكأنّي أجد ريح نفسه في قفاي ، والله ، لا أنسى ذلك أبداً. ثُمّ أدركت عليّاً (ع) رقّة على ولده ، فتناول الرّاية بيده اليسرى ، وذو الفقار مشهور في يده اليمنى ، وهو يقول :
إطعنْ بها طعنَ أبيك تُحمدِ |
|
لا خيرَ في الحربِ إذا لمْ تُوقَدِ |
بالمشرَفيِّ والقنا المُسدّدِ
ثُمّ حمل (ع) فغاص في عسكر الجمل حتّى طحن العسكر ، ثُمّ رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته ، فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمّار : نحن نكفيك يا أمير المؤمنين. فلم يجب أحداً منهم ولا ردّ إليهم بصره ، وظل ينحط ويزأر زئير الأسد ثُمّ دفع الرّاية إلى محمّد ، ثُمّ حمل حملة ثانية وحده ، فدخل وسطهم فضربهم بالسّيف قدماً قدماً ، والرّجال تفرّ من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرى حتّى خضب الأرض بدماء القتلى ، ثُمّ رجع وقد انحنى سيفه فأقامه بركبته ، فاجتمع عليه أصحابه وناشدوه الله في نفسه وفي الإسلام ، فقال : «والله ، ما اُريد بما ترون إلاّ وجه الله والدّار الآخرة». ثُمّ قال لمحمّد : «هكذا تصنع يابن الحنفيّة». فقال النّاس : مَن الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين؟! وكان علي (ع) يقذف محمّداً في مهالك الحرب ويكفّ حسناً وحسيناً ، وقال (ع) يوم صفّين : «املكوا عنّي هذين الفتيين ـ يعني الحسن والحسين عليهماالسلام ـ فإنّي أخاف أنْ ينقطع بهما نسل رسول الله».
وقال محمّد لأبيه أمير المؤمنين (ع) في تقديمه في الحرب وكفّ أخويه الحسن والحسين عليهماالسلام ، فقال : «أنت ابني وهذان ولدا رسول الله ، فأنا أفديهما بولدي». فليتك يا أمير المؤمنين لا غبت عن ولديك وقرّتي عينك الحسن والحسين عليهماالسلام ، اللذين كنت تكفّهما عن الحرب ؛ خوفاً عليهما ، وتفديهما بولدك محمّد ، لتنظر ما جرى عليهما من بعدك! أمّا ولدك الحسن (ع) فقد جرّعوه الغصص ، ونازعوه حقّه حتّى دسّوا إليه السّم وقتلوه مسموماً ، ومنعوا من دفنه عند جدّه ؛ وأمّا ولدك الحسين (ع) فغصبوه حقّه وقتلوه عطشان غريباً مظلوماً ، وهو يستغيث فلا يُغاث ، ويستجير فلا يُجار ، ويطلب شربة من الماء فلا يُجاب :
يا أيّها النّبأُ العظيمُ إليك في |
|
أبناكَ منّي أعظم الأنباءِ |
إنّ اللَذين تسرّعا يقيانَك ال |
|
أرماحَ في صفّين بالهيجاءِ |
فأخذتَ في عَضديهما تُثنيهما |
|
عمّا أمامك من عظيمِ بلاءِ |