المجلس الأربعون بعد المئة
لمّا كانت حرب الجمل ، وهي من الحروب العظيمة ، ثبت فيها الفريقان واشرعوا الرّماح بعضهم في صدور بعض كأنّها آجام القصب ، ولو شاءت الرّجال أنْ تمشي عليها لمشت. كان يُسمع لوقع السّيف أصوات كأصوات القصارين ، وخرج رجل من أهل البصرة يُقال له عبد الله بن أبزى ، فتناول خُطام الجمل وشدّ على عسكر علي (ع) ، وقال :
أضربُهمْ ولا أرى أبا حسنْ |
|
ها إنّ هذا حزنٌ من الحَزنْ |
فشدّ عليه أمير المؤمنين (ع) بالرّمح فطعنه فقتله ، وقال : «رأيت أبا حسن؟ فكيف رأيته؟» وترك الرّمح فيّه. وبرز عبد الله بن خلف الخزاعي ، وكان رئيس أهل البصرة ، وطلب أنْ لا يخرج إليه إلاّ علي (ع) ، وقال :
أبا تُرابٍ ادنُ منّي فِترا |
|
فإنّني دانٍ إليك شِبرا |
وإنّ في صدري عليك غَمرا (١)
فخرج إليه (ع) ، فلم يمهله أنْ ضربه ففلق هامته. ولمّا اشتد القتال وقامت الحرب على ساقها ، زحف علي (ع) نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار ، وحوله بنوه ؛ حسن وحسين عليهماالسلام ومحمّد بن الحنفيّة (رض) ، ودفع الرّاية إلى محمّد ، وقال : «إقدم بها حتّى تركزها في عين الجمل». فتقدّم محمّد فرشقته السّهام ، فقال لأصحابه : رويداً حتّى تنفذ سهامهم. فأنفذ علي (ع) يستحثّه ، فلمّا أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه ، فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن ، وقال له : «إقدم لا اُمّ لك». فكان محمّد رضي
____________________
(١) كحقد ، وزناً ومعنى.