جبان؟! فقالوا : قد اُعذرت. ثُمّ رجع إلى المدينة ، فقتله ابن جرموز في الطّريق. ونظرت عائشة إلى علي (ع) يجول بين الصّفّين ، فقالت : انظروا إليه ، كأنّ فعله فعل رسول الله (ص) يوم بدر! والله ، لا ينتظر بكم إلاّ زوال الشّمس. ثُمّ إنّ عليّاً (ع) دعا بمصحف وقال : «مَن يأخذه ويقرأ عليهم : (وإنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) فقال مسلم المجاشعي : ها أنا ذا. فقال له : «تُقطع يمينك وشمالك وتُقتل». فقال : لا عليك يا أمير المؤمنين ، فهذا قليل في ذات الله. فأخذه ودعاهم إلى الله فقُطعت يده اليُمنى ، فأخذه باليُسرى فقطعت ، فأخذه باسنانه فقُتل ، فقالت اُمّه :
يا ربِّ إنّ مسلماً أتاهمْ |
|
بمحكمِ التّنزيل إذْ دعاهمْ |
يتلو كتابَ الله لا يخشاهمْ |
|
فرمّلوه رُمِّلتْ لحاهمْ |
فقال (ع) : «الآن طاب الضّراب». ذكّرني اجتهاد مسلم المجاشعي في نصرة أمير المؤمنين (ع) حتّى قُطعت يداه وقُتل ، اجتهاد وهب بن حباب الكلبي في نصرة ولده الحسين (ع) حتّى قُطعت يداه وقُتل ، وكانت معه اُمّه وزوجته ، فقالت اُمّه : قُم يا بُني وانصر ابن بنت رسول الله. فقال : أفعل يا اُمّاه ولا اُقصّر. فبرز وهو يقول :
إنْ تنْكروني فأنا ابنُ الكلْبي |
|
سوفَ ترَوني وترَون ضرْبي |
وحملَتي وصولَتي في الحربِ |
|
أدركُ ثأري بعد ثأرِ صحْبي |
وأدفعُ الكرْبَ أمام الكرْبِ |
|
ليس جهادي في الوغى باللعبِ |
ثُمّ حمل ولم يزل يُقاتل حتّى قَتل جماعة ، ثُمّ رجع إلى امرأته واُمّه ، وقال : يا اُمّاه ، أرضيت؟ فقالت : ما رضيت حتّى تُقتل بين يدي الحسين (ع). فقالت امرأته : بالله عليك لا تفجعني بنفسك! فقالت له اُمّه : يا بُني ، اعزب عن قولها وارجع وقاتل بين يدي ابن بنت نبيك ؛ تنل شفاعة جده يوم القيامة. فرجع فلم يزل يُقاتل حتّى قُطعت يداه ، واخذت امرأته عموداً واقبلت نحوه ، وهي تقول : فداك أبي واُمّي! قاتل دون الطّيبين ، حرم رسول الله. فأقبل كي يردّها إلى النّساء ، فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لن أعود دون أنْ أموت معك. فقال الحسين (ع) : «جزيتم من أهل بيتي خيراً ، ارجعي إلى النّساء رحمك الله». فانصرفت إليهن ، ولم يزل الكلبي يُقاتل حتّى قُتل رضوان الله عليه.
نصروا ابنَ بنتِ نبيّهمْ طُوبى لهمْ |
|
نالوا بنُصرتهِ مراتبَ ساميهْ |
قد جاوَروه ها هُنا بقبورِهمْ |
|
وقصورُهمْ يوم الجزا مُتحاذيهْ |