المجلس الحادي والأربعون بعد المئة
لمّا كان يوم الجمل ، لم يكن يأخذ أحد بخطام الجمل إلاّ سالت نفسه أو قُطعت يده ، وأخذ بخطامه سبعون من قريش فقتلوا كُلّهم. ولمّا رأى أمير المؤمنين (ع) أنّ الموت عند الجمل ، وأنّه ما دام قائماً لا تطفأ الحرب ، وضع سيفه على عاتقه وعطف نحو الجمل وأمر أصحابه بذلك ، ووصل (ع) في جماعة من النّخع وهمدان إلى الجمل ، فقال لرجل يُسمّى بحيرا : «دونك الجمل». فضرب عجز الجمل بسيفه ، فوقع لجنبه وضرب بجرانه الأرض وعجّ عجيجاً لم يُسمع بأشد منه. فلمّا صُرع الجمل ، فرّت الرّجال كما يطير الجراد في الرّيح الشّديدة ، وأمر علي (ع) أنْ يُحرق الجمل ثُمّ يذرّى في الرّيح ، وقال : «لعنه الله من دابّة ، فما أشبهه بعجل بني اسرائيل». ثُمّ قرأ : (وَانظُرْ إلى إِلهِكَ الّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لنُحَرّقَنّهُ ثُمّ لَنَنسِفَنّهُ فِي الْيَمّ نَسْفاً) وأمر علي (ع) بعائشة فحُملت في هودجها إلى دار عبد الله بن خلف ، وقال لأخيها محمّد بن أبي بكر : «دونك اختك ، لا يتولاها غيرك». وقالت عائشة لأخيها محمّد : أقسمت عليك أنْ تطلب عبد الله بن الزّبير قتيلاً أو جريحاً. فذهب محمّد فأتاها به ، فصاحت وبكت ثُمّ قالت : يا أخي ، استأمن له من علي. فاستأمن له ، فقال علي (ع) : «آمنته وآمنت جميع النّاس». وما أحسن ما قال القائل :
ملَكنا فكان العفوُ منّا سجيةً |
|
فلمّا ملكتمْ سال بالدّمِ أبطحُ |
وحللتمُ قتلَ الاُسارَى وطالما |
|
غدونا عن الأسرى نعفُّ ونصفحُ |
وحسبُكمُ هذا التفاوتُ بينَنا |
|
وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ |
ثُمّ إنّه (ع) جهّز عائشة وأرسلها إلى الحجاز ، وأرسل معها أربعين امرأة من عبد القيس. وهكذا كانت عادة أمير المؤمنين (ع) في الصّفح والعفو عن عدوه إذا ظفر به ، فقد سمعت عفوه عن ابن الزّبير مع شدّة انحرافه عنه وعداوته له حتّى قال علي