المجلس الثّاني والأربعون بعد المئة
لمّا كان يوم الجمل ، دفع أمير المؤمنين (ع) الرّاية إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة ، وقال له : «تزول الجبّال ولا تزل ، عضّ على ناجذك ، أعر الله جمجمتك ، تِد في الأرض قدمك ، إرمِ ببصرك أقصى القوم وغضّ بصرك ، واعلم إنّ النّصر من عند الله سبحانه». ثُمّ قال له : «احمل». فتوقّف قليلاً ، فقال له : «احمل». فقال : يا أمير المؤمنين ، أما ترى السّهام كأنّها شئابيب المطر! فدفع في صدره ، وقال : «أدركك عرق من اُمّك!». ثُمّ أخذ الرّاية منه فحمل بها ، ثُمّ دفعها إليه وقال : «امحُ الاُولى بالاُخرى ، وهذه الأنصار معك». وضمّ إليه خزيمة ذا الشّهادتين في جمع من الأنصار ـ كثير منهم من أهل بدر ـ فحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم وأبلى بلاء حسناً ، فقال خزيمة لعلي (ع) : أما إنّه لو كان غير محمّد اليوم لافتضح! ولئن كنت خفت عليه الجبن وهو بينك وبين حمزة وجعفر لما خفناه عليه ، وإنْ كنت أردت أنْ تُعلّمه الطّعان ، فطالما علّمته الرّجال. وقالت الأنصار : يا أمير المؤمنين ، لولا ما جعل الله للحسن والحسين ، لما قدّمنا على محمّد أحداً من العرب. فقال علي (ع) : «أين الأنجم من الشّمس والقمر!». وقال خزيمة يمدح محمّد بن الحنفيّة :
محمّد ما في عودِك اليومَ وصمةٌ |
|
ولا كُنتَ في الحرب الضّروسِ مُعردا |
أبوكَ الذي لمْ يركب الخيلَ مثلُهُ |
|
عليٌ وسمّاك النّبيُّ محمّدا |
وأنت بحمدِ الله أطولُ غالبٍ |
|
لساناً وأنداها بما مَلكتْ يدا |
وأطعنُهُمْ صدرَ الكميِّ برمحهِ |
|
وأكساهُمُ للهامِ عَضباً مهنّدا |
سوى أخويكَ السيّدينِ كلاهُما |
|
إمامُ الورى والدّاعيان إلى الهُدى |
وقيل لمحمّد بن الحنفيّة : لِمَ يغرر بك أبوك في الحرب ولا يغرر بالحسن والحسين؟ فقال : إنّهما عيناه وأنا يمينه ، فهو يدفع عن عينيه بيمينه. وما زال أولاد أمير المؤمنين (ع) يعرفون فضل الحسنين عليهماالسلام ، ويرعون حقّهما ويفدونهما بأنفسهم. ولمّا كان يوم