الذي يشعّ في قلوب البسطاء من الجماهير الكبيرة الواسعة ؛ وبالتّالي كافٍ في القضاء على الحسين (ع) ومدرسته القائمة على تحدّي الطُغيان والوقوف في وجهه مهما ارتفع عبابه. وفي ظُلمة هذه الغباوة اشتروا عمر بن سعد ـ الطّامع بإمارة الرّي ـ وأماثله من الزّعماء الأذلاّء الذين تهاووا على بريق الذّهب ، كما يتهاوى الفراش على لهيب النّار ؛ وبالتّالي استطاعوا أنْ يقتلوا الحسين (ع) وأصحابه بذلك الشّكل الذي أخرج كلّ ما في نفوس الطُغاة من نذالة وحقد وجبن ، وإسفاف وازدراء بالقيم. ولكن هل استطاعوا أنْ يقضوا على تلك المدرسة النّبيلة التّي أنشأها الحسين (ع) ، وخلق لها بتضحيته وتضحيات أصحابه وأهله المُثل العملية العُليا؟
الجواب معروف عند كلّ مُلمّ بالتّأريخ وحركته. لقد ووجه الحكم الاُموي بكثير من الغضب ، وكثير من الصّفعات ، كما ووجه في كثير من الأحيان بكثير من الاحتقار ؛ وفي ذلك الحوار المُذهل الذي دار بين يزيد وزينب بنت علي عليهاالسلام ما أشعر يزيد ـ إنْ كان عنده شعور ـ بإنّ الدّنيا مُقبلة على عاصفة ، وإنّ قتل الحسين (ع) لم يكن سوى نذير يكاد يزعزع الأرض تحته.
لقد شمت الطّاغية الأحمق بقتل الحسين (ع) أمام اُخته ، وظنّ أنّ زينب امرأة ذليلة هانت عليها الكرامة بعد قتل مَن قُتل من أهلها وذويها ، فراح يتحدّاها ويتحدّى الكرامة الشّامخة في تلك النّفس العظيمة التّي يجب أنْ تكون مُثلاً لكلّ امرأة كريمة.
فماذا كان موقف زينب عليهاالسلام؟ وكيف كان ردّها على شماتة الشّامت الخسيس؟
وإنْ جرت عليّ الدّواهي مخاطبتك ، فإنّي لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكبر توبيخك.
بهذه الكلمات القليلة أجابت زينب ، ولكن أيّة كلمات هذه الكلمات؟ وأي عوالم من التّحدي تحمل في كلّ حرف من حروفها؟ لو عضّ يزيد الحديد في تلك اللحظة لكان ذلك أهون عليه من أنْ يسمع حرفاً واحداً منها إنْ كان عنده إحساس.
مهما يكن شعوره فقد أدرك بالتأكيد أنّ مدرسة الحسين (ع) باقية وأنّها ستبقى ، وأنّ السّعادة التّي تخيّلها حائمة عليه ، أو ستحوم عليه بقتل الحسين (ع) وأصحابه لن تكون سوى نعش له ولدولته.