مسلم بن عقيل ، ولو قدمت الكوفة لكان النّاس إليك أسرع.
واقتنع الحسين (ع) ، لم يفكّر ولم يتدبّر موقفه. أكان ذلك عن سوء تدبير؟
لا يستطيع أحد أنْ يحكم هُنا بسوء تدبير الحسين (ع) ؛ فهو مُنذ تحرّك من مكّة كان يعلم أنّ الوضع قد بلغ الحدّ الذي يدفع إلى المواجهة إلى القتال الصّريح مهما تكن القوّة التّي تُجابهه.
وقد تأكّد له الموقف بعد ذلك حين أرسل قيساً بن مسهر الصّيداوي فقُتل هو الآخر ، ثُمّ عاد فأرسل عبد الله بن يقطر فاُلقي من شُرفات القصر. أيّ شيء إذن كان يتوقّعه؟!
إنّه يلحّ في الإتصال بالشّعب ، فقد وضع أمله فيه وإنْ لم يستطع الاتصال به عن طريق الكتب ؛ إذ كان رُسله يُقتلون واحداً بعد الآخر ، فليس هُناك إلاّ أنْ يتصل بهم بحدث يُزلزل كيانهم.
أهذا كان تفكير الحسين (ع)؟
ليس من الضّروري أنْ تكون هذه الفكرة واضحة في الذّهن ، يكفي أنْ تكون هي الموجّه لكلّ تصرّف ، وجميع تصرّفات الحسين (ع) تؤكد أنّ مثل هذه الفكرة وراءها.
لم يكن أمامه إلاّ أنْ يتراجع ، وكان له أكثر من مُبرّر للتراجع ؛ فهؤلاء الذين كتبوا إليه يستقدمونه انفضّوا عن رسوله حتّى قُتل. وها هو ذا يرسل رُسلاً آخرين فلا يكون حظّهم خيراً من حظّه.
فلماذا لم يتراجع؟ إلاّ أنّه كان عليه عندئذ أنْ يمنح البيعة ليزيد ، وكانت هذه في رأيه أكبر الكبائر. أيعتكف في حرم الكعبة؟ وهل كان ليزيد أنْ يتحرّج عن قتله في قلب الحرم.
ليس أمامه إلاّ أنْ يمضي في طريقه ، فهو يعلم تماماً أنّ ظهوره أمام الشّعب سوف يجمعهم حوله ، يعلم كيف يُحدّثهم وكيف ينزع الخوف من قلوبهم ، ولكن كيف يصل إلى مداخل العراق وعبيد الله بن زياد يرصد له الجيوش الآن؟
إنّ الموقف لا يصعب تقديره على الرّجل العادي.