من زاوية اُخرى ؛ وهو أنّ هذا الحفيد يُريد أنْ يُغيّر مراكز القوى ، وأنْ يُعيد توزيع الثّروة ، وأنْ يمضي في نفس الطّريق الذي مضى فيه أبوه (ع) ، فهو من هذه النّاحية عدو طبقي لا يُهمل خروجه في طلب البيعة ، إنّه الحسين بن علي ، ابن فاطمة الزّهراء ابنة رسول الله عليهمالسلام ، والسّلطة قوية ولتفعل ما تشاء.
ولكن السّلطة ليست بهذه البلاهة ، إنّها لا تُلقي بدمّ الحسين (ع) على عاتقها وحدها ، فمَن أراد أنْ يُدافع عن ثروته ، وعن مركزه الإجتماعي فليشترك في دمّ الحسين (ع).
وسنرى أنّ رجالاً من هذه الطبقة اُهيب بهم أنْ يشتركوا في قتل الحسين (ع) ، وكانوا بين خوف من غضب السّلطة والشّك في ولائهم للمصلحة الطّبقية الواضحة ، وبين أنْ يأثموا بدمّ الحسين (ع). على أنّ الأمر لم تكن له هذه الخطورة ؛ فمن قبل قُتل علي (ع) نفسه ، ومن بعده قُتل الحسن (ع) مسموماً ، كما قُتل محمّد بن أبي بكر. إنّ الإحساس بالإثم كان إحساساً هيّناً يمرّ بالخاطر مرّاً سريعاً ، ولولا أنّ الحسين (ع) بالذّات تربّى في حجر النّبي ، ولولا أنّه رجل يُمثّل الصّورة المُثلى للإسلام ، لما مرّ مثل هذا الخاطر بأحد.
ومن النّاحية الاُخرى فإنّ سائر طبقات الشّعب قد بلغ بها القهر والشّك والخوف ما يجعلها تتردّد ألف مرّة في الثّورة ، وفي العراق بالذّات كان الرّجل يؤخذ بمجرد الشّبهة ، وسيرة زياد بن أبيه لم تُنسَ بعد ، فقد خطب فيهم خطبة خطيرة وردَ فيها أنّه سيأخذ البريء بالمُسيء.
لاقى شعب العراق صنوفاً من الضّغط لم يلقها شعب آخر ، جيلاً وراء جيل ، فكيف كان يُمكن لهذا الشّعب المطعون أنْ يهب لمُساندة الحسين (ع) والخوف يقضي على كلّ كرامة ، وقد استطاع الحُكم الاُموي أنْ يزرع الخوف وأنْ يجعله القوت اليومي للشعب العراقي.
وبهذه الصّورة لم يكن لخروج الحسين (ع) إلاّ معنى واحد هو الشّهادة.
وأي سياسي آخر غير الحسين (ع) كان يستطيع تقدير الموقف ، وأنْ يتراجع في الوقت المُناسب ، أو يرى طريقاً آخر للكفاح؟ أمّا التراجع ، فقد كانت فرصته أمامه حين شارف أرض العراق وجاءته أنباء مقتل رسوله مُسلم بن عقيل وانفضاض النّاس من حوله.
ومع ذلك فقد استمع باهتمام إلى واحد من صحبه يقول : ما أنت مثل