هذه الكرامة؟
وتقدّم الحرّ بن يزيد ، فقال للحسين (ع) أنّه اُمر بأنْ يقدم به على عبيد الله بن زياد. لم يجبه الحسين (ع) ، بل أمر مؤذّنه أنْ يؤذّن لصلاة الظّهر ، ثُمّ خطب الجميع ؛ أصحابه وخصومه على السّواء ، أو خصومه بوجه خاص.
«أيّها النّاس ، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم ورسلكم أنْ اقدم علينا فليس علينا إمام ، لعلّ الله يجمعنا بك على الهُدى والحقّ. فقد جئتكم ، فإنْ تعطوني ما اطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم ، وإنْ لم تفعلوا ، أو كنتم لقدومي كارهين ، انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه».
وكانت لحظة صمت جماعية لا يدري أحد ما جرى في أذهانهم ، ولعلّهم كانوا جميعاً يودّون لو يُقاتلون من أجله ، ولكن الخوف والمصلحة وكلّ عروض الدّنيا كانت تقف دون ذلك.
عندئذٍ التفت الحسين (ع) وقال للمؤذّن : «اقم الصّلاة». ثُمّ التفت للحرّ بن يزيد وسأله : «هل يُصلّي كلّ فريق على حِدة؟». فقال الحرّ : بل نُصلّي بصلاتك.
وانتهت الصّلاة خلف الحسين (ع) ، وبدأ ركب الحسين (ع) يتّجه وجهته ، وبدأ الحرّ يتعقّبه ، وكلّما اتجه وجهة اُخرى ، حاصره وردّه إلى طريق الكوفة. وأخيراً وقف الحسين (ع) مرّة اُخرى يعظهم.
«أيّها النّاس ، إنّ رسول الله (ص) قال : مَن رأى سُلطاناً جائراً ؛ مُستحلاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مُخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يُغيّر ما عليه بعمل ولا قول كان حقّاً على الله أنْ يدخله مدخله. ألا وأنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشّيطان وتركوا طاعة الرّحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله. وأنا أحقّ من غيري وقد أتتني كُتبكم ورُسلكم ببيعتكم ، وأنّكم لا تُسلّمونني ولا تخذلونني ؛ فإنْ بقيتم على بيعتكم ، تصيبوا رشدكم ، وأنا الحسين بن علي ، ابن فاطمة بنت رسول الله (ص) ، نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهلكم فلكم فيّ اُسوة ، وإنْ لم تفعلوا ونقضتم عهدي وخلعتم بيعتي ، فلعمري ما هي لكم بنكير ، والمغرور من اغترّ بكم ؛ فحظّكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم. ومَن نكث فإنّما ينكث على نفسه ، وسيغنيني الله عنكم».