غناءً ، وما أشبه مقامه بمقام أبي الفضل العبّاس يوم كربلاء حين برز عمرو بن خالد الصيداوي ، فقال : له الحسين (ع) : «تقدّمْ فإنّا لاحقون بك عن ساعة». فحمل هو وسعد مولاه ، وجنادة بن الحارث السلماني ، ومجمع بن عبد الله العائذي ، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على النّاس ، فلمّا وغلوا في أصحاب ابن سعد قطعوهم عن أصحابهم وأحاطوا بهم ، فندب الحسين (ع) لهم أخاه العبّاس فحمل على القوم وحده ، فضرب فيهم بسيفه حتّى فرّقهم عن أصحابه وخلص إليهم ، فسلّموا عليه واستنقذهم وجاء بهم ولكنّهم كانوا جرحى ، فأبوا عليه أنْ يستنقذهم سالمين ، فعاودوا القتال وحملوا فقاتلوا وهو يدفع عنهم حتّى قُتلوا في مكان واحد ، فعاد العبّاس إلى أخيه وأخبره بخبرهم. ولكنّ شتّان بين المقامين ؛ فالجُعفي حمل على أهل الشام مستعيناً بأمير المؤمنين (ع) وأصحابه حتّى استنقذوه ومَن معه ، وأبو الفضل العبّاس حمل وحده على ثلاثين ألفاً من أهل الكوفة ، وضاربهم حتّى وصل إلى أصحابه وأنصار أخيه الحسين (ع) ، واستنقذهم وحده لم يساعده أحد. قرّت عينك يا أمير المؤمنين بولدك أبي الفضل العبّاس الذي ورث منك الشجاعة والفروسية ، وقاتل بين يدي أخيه الحسين (ع) قتال الأبطال ، فلو ترآه وهو مقطوع اليدين ، مرضوخ الجبين ، مشكوك العين بسهم ، مثخناً بالجراح ، وولدك أبو عبد الله الحسين (ع) واقف عنده منحنياً ، ثمّ جلس عند رأسه يبكي حتّى فاضت نفسه الطاهرة :
أبا حسَنٍ أبناؤُكَ اليومَ حلَّقتْ |
|
بقادمةِ الأسيافِ عنْ خطَّةِ الخسف |
سلْ الطَّفَّ عنهُمْ أين بالأمسِ طنَّبُوا |
|
وأين استقلُّوا اليومَ عن عرْصةِ الطَّفِّ |
ولمّا رأوا بعضَ الحياةِ مذلَّةً |
|
عليهمْ وعِزَّ الموتِ غيرَ مُحرَّم |
أبَوا أنْ يذوقُوا العيشَ والذي واقعٌ |
|
عليهِ وماتُوا ميتةً لم تُذمَّم ِ |
ولا عجبٌ للاُسْدِ إنْ ظفرَتْ بها |
|
كلابُ الأعادِي منْ فصيحٍ وأعجَم |
فحربةُ وحشيٍّ سَقتْ حمزةَ الرَّدى |
|
وحتفُ عليٍّ من حسامِ ابنِ مُلجَم |