ما يدعوك إلى ذلك؟ قال : الحياء. فضحك الغلام ، وقال :
تنازلُهُ يا بُسْرُ إنْ كُنتَ مثلَهُ |
|
وإلاّ فإنَّ الليثَ للضبعِ آكلُ |
كأنّك يا بُسْرُ بنَ أرطاةَ جاهلٌ |
|
بآثارِهِ في الحربِ أو متجاهل |
متَى تلْقِهِ فالموتُ في رأسِ رُمحِهِ |
|
وفي سيفهِ شغلٌ لنفسك شاغل |
فقال بُسر : هل هو إلاّ الموت! فغدا علي (ع) منقطعاً من خيله ومعه الأشتر ، فناداه بُسر : ابرز إليّ أبا حسن. فجاءه علي (ع) بتؤدة غير مكترث ، فلمّا قاربه طعنه وهو دارع فألقاه على الأرض ، ومنع الدرعُ السّنان أنْ يصل إليه فاتّقاه بُسر ، وقصد أنْ يكشف سوأته ليستدفع بأسه فانصرف علي (ع) عنه مستدبراً له ، فقال له الأشتر : إنّه بُسر بن أرطاة! عدو الله وعدوك يا أمير المؤمنين. فقال (ع) : «دَعْه عليه لعنة الله ، أبَعد أنْ فعلها!». ورجع بُسر ، فقال له معاوية : ارفع طرفك قد أدال الله عمراً منك. فقال في ذلك النّضر بن الحارث :
أفي كلِّ يومٍ فارسٌ تندبُونهُ |
|
لهُ عورةٌ وسطَ العَجاجةِ باديهْ |
يكفُّ بها عنهُ عليٌّ سِنانَهُ |
|
ويضحكُ منها في الخلاءِ مُعاويهْ |
بدتْ أمسِ من عمرٍو فقنَّع رأسَهُ |
|
وعورةُ بُسرٍ مثلُها حَذْوَ حاذِيهْ |
فقولا لعمرٍو وابنِ أرطأةَ أبصِرا |
|
سبيلَكُما لا تَلقَيا اللَّيثَ ثانيهْ |
ولا تَحمدا إلاّ الحيا وخُصاكُما |
|
هُما كانتا واللهِ للَّنفس واقيهْ |
فلولاهما لم تَنجُوَا منْ سنانهِ |
|
وتلك بما فيها عنْ العَودِ ناهيهْ |
متَى تلقيا الخيلَ المُشيحةَ صُبْحةً |
|
وفيها عليٌّ فاتْرُكا الخيلَ ناحيهْ |
وكونا بعيداً حيثُ لا يبلغ القَنا |
|
نحورَكُما إنّ التجاربَ كافيهْ |
وإنْ كان منهُ بعدُ في النَّفسِ حاجةٌ |
|
فعُودا إلى ما شئتُما هي ما هِيهْ |
وعمرو هذا هو الذي دبّر الحيلة على مولانا أمير المؤمنين (ع) برفع المصاحف على رؤوس الرماح حتّى اغترّ بذلك أهل العراق ، واضطرّ أمير المؤمنين (ع) إلى القبول بالتحاكم إلى القرآن وهو يقول لهم : «أنا كتاب الله النّاطق ، وهذا كتاب الله الصامت». فلمْ يسمعوا. ولولا رفع تلك المصاحف على رؤوس الرماح ، لم يُرفع رأس الحسين (ع) ورؤوس أصحابه على رؤوس الرماح يوم كربلاء ، يسار بها من بلد إلى بلد ، فمن كربلاء إلى الكوفة ، ومن الكوفة إلى الشام أمام عينَي زين العابدين (ع) ، وأمام عينَي زينب وسائر النّساء. ولمّا قربوا من دمشق دنت اُمّ كلثوم من شمر ، فقالت له : لي إليك حاجة. فقال : ما حاجتك؟ قالت : إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في