فصرعه ، واتّقاه عمرو برجله فبدت عورته ، فصرف علي (ع) وجهه عنه ، فقال القوم : أفلت الرجل يا أمير المؤمنين. قال (ع) : «وهل تدرون مَن هو؟». قالوا : لا. قال (ع) : «فإنّه عمرو بن العاص تلقّاني بعورته فصرفت وجهي عنه». وإلى ذلك أشار أبو فراس الحمداني بقوله :
ولا خيرَ في دفعِ الرَّدى بمذلّةٍ |
|
كما ردَّها يوماً بسوأتهِ عَمرو |
ورجع عمرو إلى معاوية ، فقال له : ما صنعت؟ قال : لقيني علي فصرعني فاتّقيته بعورتي. قال : احمد الله وعورتك ، أمّا والله ، لو عرفته ما أقحمت عليه. وقال معاوية في ذلك :
ألا لله منْ هفواتِ عَمرٍو |
|
يعاتبُني على تركِي بِرازي |
فقدْ لاقَى أبا حسنٍ عليّاً |
|
فآبَ الوائليُّ مآبَ خازِ |
فلَو لمْ يُبدِ عورتَهُ للاقَى |
|
بهِ ليثاً يذللُ كلَّ نازِ |
له كفٌّ كأنَّ براحتيْها |
|
منايا القومِ يخطِفُ خطفَ بازِ |
فإنْ تكُنْ المنيَّةُ أخطأتْهُ |
|
فقدْ غنَّى بها أهلُ الحجازِ |
فغضب عمرو ، وقال : هل هو إلاّ رجل لقيه ابن عمّه فصرعه ، أفترى السّماء قاطرةً لذلك دماً؟! قال معاوية : ولكنّها تعقبك جبناً.
وبرز عُروة بن داود الدمشقي ، فقال : إنْ كان معاوية كره مبارزتك يا أبا الحسن فهلمّ. فتقدّم إليه علي (ع) فقال له أصحابه : ذَر هذا الكلب ؛ فإنّه ليس لك بخطر. فقال (ع) : «والله ، ما معاوية اليوم بأغيظ لي منه ، دعوني وإيّاه». ثمّ حمل عليه فضربه فقطعه قطعتين ، سقطت إحداهما يمنة والاُخرى يسرة ، فارتجّ العسكران لهول الضربة ، ثمّ قال (ع) : «يا عُروة ، اذهب فأخبر قومك ، أما والذي بعث محمّداً بالحقِّ لقد عاينت النّار وأصبحت من النّادمين». وحمل ابن عمّ لعُروة على علي (ع) فطعنه ، فضرب علي (ع) الرمح فبراه ، ثمّ قنّعه ضربة فألحقه بابن عمّه ، ومعاوية ينظر. فقال معاوية : تبّاً لهذه الرجال وقبحاً! أما فيهم مَن يقتل هذا ـ يعني : أميرالمؤمنين (ع) ـ مبارزةً أو غيلة ، أو في اختلاط الفيلق وثَوَران النّقع فقال الوليد بن عقبة : ابرز إليه أنت ؛ فإنّك أولى النّاس بمبارزته. فقال : والله ، لقد دعاني إلى البراز حتّى استحييت من قريش ، وإنّي والله ، لا أبرز إليه ؛ ما جُعل العسكر بين يدي الرئيس إلاّ وقاية له. فقال عتبة بن أبي سفيان : الهوا عن هذا ، كأنّكم لم تسمعوا نداءه ، فقد علمتم أنّه قتل حريثاً وفضح عمراً ، ولا يتحكّك به أحد إلاّ قتله. فقال معاوية لبُسر بن أرطاة : أتقوم لمبارزته؟ فقال : ما أحد أحقّ بها منك ، وإذا أبيتموه فأنا له. وكان عند بُسر ابنُ عمّ له قدم من الحجاز يخطب ابنته ، فقال لبُسر :