فلمّا نظر إليهم معاوية قد أقبلوا ، قال :
إذا قلتُ قدْ ولَّتْ ربيعةُ أقبَلَتْ |
|
كتائبُ منهُمْ كالجبالِ تُجالدُ |
ثمّ خرج عن سرادقه هارباً إلى بعض مضارب العسكر فدخل فيه. ونذر معاوية سبي نساء ربيعة إنْ ظفر بهم ، وقتل رجالهم ، فقال في ذلك خالد بن المعمّر :
تمنَّى ابنُ حرْبٍ نذْرَةً في نِسْائِنا |
|
ودونَ الذي ينْوي سيوفٌ قواضبْ |
ولمْ يرث يزيد سبي نساء المسلمين عن كلالة ، بل ورث ذلك عن أبيه ، فكما نذر أبوه سبي نساء ربيعة إنْ ظفر بهم ، سبى هو نساء سادات المسلمين وعقائل بيت النّبوّة ، وأمر بحملهنّ إليه من العراق إلى الشام ، فحُملوا إليه على أقتاب الجمال ، وساروا بهنّ كما يُسار بسبايا الكفّار.
يُسار بها عُنْفاً بلا رِفقِ مَحْرَمٍ |
|
بها غير مغلولٍ يحنُّ على صَعْبِ |
ولمّا وردوا دمشق ، اُوقِفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يُقام السبي ، وبينهم زين العابدين (ع) وهو مغلول بغُلٍّ إلى عنقه ، وهو إمام أهل البيت الطاهر ، ووارث علوم جده الرسول (ص). ثمّ اُدخلوا على يزيد ، وهم مُقرَّنون في الحبال وزين العابدين (ع) مغلول ، فلمّا وقفوا بين يديه ، وهم على تلك الحال ، قال له علي بن الحسين (ع) : «أنشدك الله يا يزيد ، ما ظنّك برسول الله (ص) ، لو رآنا على هذه الصفة؟!». فلمْ يبقَ في القوم أحد إلاّ وبكى ، فأمر يزيد بالحبال فقُطعت ، وأمر بفكّ الغُلّ عن زين العابدين (ع) :
خلتْ الحميَّةُ يا اُميّةُ فاخلَعِي |
|
حُلَل الحَيا وبثوبِ بغْيكِ فارْفُلي |
سوّدْتِ وجهَ حَفائظِ العَربِ التي |
|
كرُمتْ إذا ظفرتْ برحلٍ مُفْضِلِ |