لا تظمأ بعدها أبداً». فجعل يكرّ كرّة بعد كرّة والأعداء يتّقون قتله ، فطعنه مُرّة بن منقذ فصرعه ، فنادى يا أبتاه عليك السّلام ، هذا جدّي يُقرِئك السّلام ، ويقول لك : «عجّل القدوم علينا». واعتوره النّاس فقطّعوه بأسيافهم ، فجاء الحسين (ع) حتّى وقف عليه وقال : «قتل الله قوماً قتلوك يا بُنَي ، ما أجرأهم على الرّحمن وعلى انتهاك حُرمة الرّسول! على الدّنيا بعدك العفا». وخرجت زينب بنت علي عليهماالسلام وهي تنادي : يا حبيباه! ويابن أخاه! فأكبّت عليه ، فجاء الحسين (ع) فأخذ بيدها وردّها إلى الفسطاط ، وأقبل بفتيانه ، وقال : «احملوا أخاكم». فحملوه من مصرعه حتّى وضعوه بين يدَي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.
يا كوكباً مَا كان أقصرَ عُمرَهُ |
|
وكذا تكونُ كواكِبُ الأسْحارِ |
جاورتُ أعْدائي وجاوَر ربَّهُ |
|
شتّان بينَ جِوارِهِ وجِواري |
ولمّا قُتل عمّار صلّى عليه أمير المؤمنين (ع) ودفنه بثيابه ، وهو مقطوع الرأس ؛ وذلك لأنّ الشهيد يُدفن بثيابه ودمائه ، ولا تُنزع عنه ثيابه ولا يُغسّل ؛ ليخاصم مَن قتله بين يدي ربّه وهو كذلك. أجل ، فمَن صلّى على شهيد كربلاء أبي عبد الله الحسين (ع) ، وهو مقطوع الرأس ، ودفَنه؟ لمْ يُصلِّ عليه أحد ولم يدفنه ، بل تُرِك ثلاثاً على وجه الصعيد بغير دفن ، ولمّا دُفن لمْ يُدفن بثيابه ، لماذا؟ لأنّه لم يكن عليه ثياب ، بل كان عارياً ، قد سُلبت منه ثيابُه كلُّها حتّى الثوب الذي خرقه ووضعه تحت ثيابه ؛ لئلاّ يُسلب منه ، فلم يتركوه له ، وسلبوه إيّاه وتركوه عارياً :
للهِ مُلقىً علَى الرَّمضاءِ غصَّ بهِ |
|
فَمُ الرَّدَى بين أقدامٍ وتشْمِيرِ |
تحنُو عليهِ الرُّبى ظلاّ ًوتسْترُهُ |
|
عنْ النَّواظرِ أذيالُ الأعاصِيرِ |
تهابُهُ الوحشُ أنْ تدنُوا لمصرَعِهِ |
|
وقدْ أقامَ ثلاثاً غيرَ مقْبُور |