عن بغلته ، وعانق عمّاراً وودّعه ، ثمّ قال : «يا أبا القيظان ، جزاك الله عن الله وعن نبيك خيراً ، فنعمَ الأخُ كُنتْ! ونعمَ الصاحبُ كُنتْ!». ثمّ بكى أمير المؤمنين (ع) وبكى عمّار ، ثمّ ركب أمير المؤمنين (ع) وركب عمّار. ما أشبه حالة أمير المؤمنين (ع) حين استأذنه عمّار في المبارزة ، بحالة الحسين (ع) حين استأذنه ولده علي الأكبر في المبارزة ؛ وكان علي من أصبح النّاس وجهاً وأحسنهم خلقاً ، وكان عمره تسع عشرة سنة ، فاستأذن أباه في القتال فأذن له ، ثمّ نظر إليه نظرة آيس منه ، وأرخى عينيه فبكى ، ثمّ رفع سبابتيه نحو السّماء ، وقال (ع) : «اللهمّ ، كُنْ أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم غُلام أشبه النّاس خَلْقاً وخُلْقاً ومَنْطقاً بنبيّك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه. اللهمّ ، امنعهم بركات الأرض ، وفرِّقهم تفريقاً ومزِّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قِدداً ، ولا تُرضِ الولاةَ عنهم أبداً ؛ فإنّهم دعونا لينصرونا ، ثمّ عدوا علينا يُقاتلوننا». قال : وبرز عمّار إلى القتال ، وكان قد جاوز التسعين ، وأنشأ يقول :
نحنُ ضربناكُمْ على تَنْزيلِهِ |
|
فاليوم نضربكُمْ على تأويلِهِ |
ضرباً يُزيلُ الهامَ عنْ مَقيلِهِ |
|
ويُذهلُ الخليلَ عنْ خليلِهِ |
أو يَرجِع الحقُّ إلى سبيلِهِ
ثمّ قال : والله ، لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سعفات هَجَر ، لعلمنا أنّا على الحقِّ وأنّهم على الباطل. ثمّ قال : الجنّة تحت ظلال الأسنّة. اليومَ ألقَى الأحبَّهْ مُحمّداً ثُمّ حزْبَهْ واشتدّ به العطش فاستسقى ، فاُتي إليه بلبن فشربه ، ثمّ قال : هكذا عَهد إليّ رسول الله (ص) أنْ يكون آخر زادي من الدّنيا شربة من لبن. وحمل عليه ابن جون السكسكي ، وأبو العادية الفزاري ؛ فأمّا أبو العادية فطعنه ؛ وأمّا ابن جون فاحتزّ رأسه. وكما حمل عمّار على النّاس وارتجز ، حمل علي بن الحسين عليهماالسلام على النّاس ، وجعل يرتجز ويقول :
أنا عليُ بنُ الحُسينِ بنِ عليْ |
|
نحنُ وبيتِ اللهِ أوْلَى بالنَّبيْ |
تاللهِ لا يحكُمُ فيْنا ابنُ الدَّعيْ |
|
أضربُ بالسَّيفِ اُحامِي عنْ أبي |
ضربَ غُلامٍ هاشِميٍّ عَلَوي
ولكن لمّا اشتدّ العطش بعمّار رجع واستسقى فسُقي اللّبن ، ولمّا اشتدّ العطش بعلي الأكبر رجع إلى أبيه ، وهو يقول : يا أبتِ ، العطش قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربةٍ من الماء سبيل؟ فبكى الحسين (ع) وقال : «وآ غوثاه! يا بُنَي ، من أين آتي لك بالماء؟ قاتِل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك محمّد (ص) ، فيسقيك بكأسه الأوفى شربةً