إلى يزيد بن معاوية ، وجهّز عبيد الله بن زياد الجيوش بأمره لقتال الحسين (ع) ، وقُتلت أنصار الحسين (ع) وأهل بيته ، وبقي وحيداً فريداً ، فتقدّم إلى باب الخيمة ، وقال لزينب : «ناوليني ولدي الرضيع حتّى اُودعه». فاُتي بابنه عبد الله ، فأخذه وأجلسه في حجره ، وأومأ إليه ليقبّله ، فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه ، فقال (ع) لزينب : «خُذيه». ثمّ تلّقى الدم بكفّيه ، فلمّا امتلأتا ، رمى بالدم نحو السّماء ، ثمّ قال : «هوّن عليّ ما نزل به ، أنّه بعين الله». وفي رواية : أنّه قال : «اللهمّ ، لا يكون أهون عليك من فصيل ...». قال الإمام الباقر (ع) : «فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض». وفي رواية : أنّه صبّه في الأرض ، ثمّ قال : «يا ربّ ، إنْ كنتَ حسبتَ عنّا النَّصر من السّماء ، فاجعل ذلك لما هو خير منه ، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين». ثمّ حمله حتّى وضعه مع قتلى أهل بيته. وفي رواية : أنّه حفر له بجفن سيفه ، ورمّله بدمه فدفنه.
صبيٌ وهو بينَ يَدَي أبيهِ |
|
اُصيبَ فأيُّ ذنبٍ للصبيِّ |
ومن الأطفال الذين قتلهم أتباع بني اُميّة يوم طفّ كربلاء ؛ بغياً وعتوّاً وجرأة على الله ورسوله ، غلام خرج من خباء من أخبية الحسين (ع) ، فأخذ بعود من عيدان الخباء وهو مذعور ، فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وقرطاه يتذبذبان ، فحمل عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فضربه بالسيف فقتله ، فصارت اُمّه شهربانويه تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة.
كَمْ لَكمْ منْ صِبيةٍ ما أبدَلتْ |
|
ثَمّ منْ حاضنةٍ إلاّ رمَالا |
سَلْ بحِجرِ الحربِ ماذا رَضَعتْ |
|
فَثديُّ الحربِ قدْ كُنَّ نِصالا |
رضَعتْ منْ دَمِها الموتَ فيَا |
|
لرضاعٍ عادَ بالرّغمِ فِصالا |
ومن الأطفال الذين قتلهم جيش يزيد يوم كربلاء ؛ بغياً وعناداً واجتراءً على الله تعالى ، عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وذلك لمّا ضعف الحسين (ع) عن القتال ، وجلس على الأرض ، فخرج عبد الله ، وهو غلام لمْ يراهق ، من عند النّساء ، فلحقته زينب بنت علي عليهماالسلام لتحبسه ، فقال لها الحسين (ع) : «احبسيه يا اُختي» ؛ وذلك لعلمه ببغي أهل الكوفة وجرأتهم على قتل الأطفال. فأبى الطفل وامتنع عليها امتناعاً شديداً ، وجاء يشتدّ إلى عمّه الحسين (ع) حتّى وقف إلى جنبه ، وقال : لا اُفارق عمّي. فأهوى بحر بن كعب إلى الحسين (ع) بالسيف ، فقال الغلام : ويلك يابن الخبيثة! أتقتل عمّي؟! فضربه بحر بالسيف فاتّقاها الغلام بيده فأطنّها إلى الجلد ، فإذا هي معلّقة ، فنادى