وذبحوه ، فسال دمه في الماء ، وأقبلوا إلى امرأته ، فقالت : أنا امرأة ، ألاَ تتّقون الله؟ فبقروا بطنها. وخرج علي (ع) بأصحابه حتّى نزل على فرسخين من النّهروان ، فأرسل إليهم أوّلاً ابن عبّاس ، ثمّ جاء إليهم بنفسه ، فقال (ع) : «ما الذي نقمتم به علي؟». قالوا : نقمنا عليك أنّك أبحتنا عسكر أهل البصرة ، ومنعتنا النّساء والذرّيّة. فقال (ع) لهم : «إنّ أهل البصرة قاتلونا ، فاقتسمتم سلب مَن قاتلكم ، والنّساء لم تُقاتل ، والذرّيّة ولدوا على الفطرة ، ولم ينكثوا ولا ذنب لهم ، ولقد مَنّ رسول الله (ص) على المشركين ، فلا تعجبوا إنْ مننتُ على نسائهم وذريّاتهم». قالوا : ونقمنا عليك أنّك حكمت في دين الله برأينا. فقال (ع) : «أما تعلمون أنّ الله تعالى قد أمر بالتحكيم في شقاق بين الرجل وامرأته ، فقال : فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وفي صيد اُصيب في الحرم كأرنب يساوي نصف درهم ، فقال : يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ». قالوا : ونقمنا عليك أنّك محوت اسمك من إمارة المؤمنين يوم صفّين حين كُتب كتاب الصلح ؛ وذلك أنّه قال لكاتبه : «اكتب ، هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سفيان». فلم يقبل معاوية ، فقال أمير المؤمنين (ع) للكاتب : «اكتب ، هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ، ومعاوية». فقال لهم : «أنا كنت كاتب رسول الله (ص) يوم الحديبيّة ، فقال لي : اكتب ، هذا ما اصطلح عليه محمّد رسول الله ، وسهيل بن عمرو. فقال سُهيل : لو علمنا أنّك رسول الله ، لمَا صددناك ولا قاتلناك. فأمرني رسول الله (ص) فمحوت ذلك وكتبت : هذا ما اصطلح عليه محمّد بن عبد الله ، وسهيل. وإنّما محوت اسمي من إمرة المؤمنين ، كما محا رسول الله (ص) اسمه من الرسالة ، وكان لي به اُسوة». قالوا : وإنّك قلت للحكمين : «انظرا في كتاب الله ، فإنْ كنتُ أفضل من معاوية ، فأثبتاني في الخلافة ، وإلاّ فأثبتاه». فإنْ كنت شاكّاً ، فنحن فيك أعظم شكّاً. فقال (ع) : «إنّما أردت بذلك النّصفة ، كما قال رسول الله (ص) لنصارى نجران : تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ». قالوا : ونقمنا عليك أنّك حكمت حُكماً في حقّ هو لك. فقال (ع) : «إنّ رسول الله (ص) حكّم سعد بن معاذ في بني قُريظة ، ولو شاء لم يفعل». فصاح منهم جماعة من كلّ ناحية : التوبة التوبة يا أمير المؤمنين! فاستأمن منهم ثمانية آلاف ، وبقي أربعة آلاف مصّرين على حربه ، فقاتلهم حتّى أفناهم ، ولم يَسلَم منهم غير تسعة أنفس. فياليت : أمير المؤمنين (ع) الذي أفنى الخوارج بسيفه ، لا غاب عن يوم كربلاء ، ليرى خوارج أهل الكوفة الذين حاربوا ولده الحسين (ع) ، بل كانوا شرّاً من الخوارج. ولم تفعل فرقة من الفرق الضالّة ، مهما بلغت في الضلال وقساوة القلب ، ما فعله أهل الكوفة مع أهل بيت رسول الله (ص) ، ولم يجرِ في