النّاس ، إنّ المصباح لا يضيء في الشمس ، وإنّ الكواكب لا تُضيء مع القمر ، وإنّ البغل لا يسبق الفرس ، ولا يقطع الحديد إلاّ الحديد. ألا مَن استرشد أرشدناه ، ومَن سألنا أخبرناه ، إنّ الحقّ كان يطلب ضالّة فأصابها ، فصبراً يا معشر المهاجرين والأنصار ، فكأنّكم وقد التأم شمل الشتات ، وظهرت كلمة العدل ، وغلب الحقُّ باطله ، فإنّه لا يستوي المحقُّ والمبطل. (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ) فالنّزال النّزال! والصبر الصبر! ألا وإنّ خضاب النّساء الحنّاء ، وخضاب الرجال الدماء ، والصبر خير الاُمور عاقبةً. ائتوا الحرب غير ناكصين ، فهذا يوم له ما بعده. يا زرقاء ، أليس هذا قولك وتحريضك؟ قالت : لقد كان ذلك. قال : لقد شاركت عليّاً في كلّ دم سفكه. فقالت : أحسن الله بشارتك ، مثلك مَن يُبشّر ويسرّ جليسه. فقال معاوية : وقد سرّك ذلك؟! قالت : أي والله ، وأنّى لي بتصديقه؟ فقال : والله ، لوفاؤكم لعلي بعد موته ، أعجب إليّ من حبكم له في حياته ، فاذكري حوائجك ، تُقضى. فقالت : إنّي آليت على نفسي أنْ لا أسأل أحداً بعد عليٍّ (ع) حاجة ، ومثلك مَن أعطى من غير مسألة. قال : فأعطاها كسوةً ودراهم ، وأعادها إلى وطنها سالمةً مكرمة. هكذا جرت عادة الملوك والاُمراء ، إنّهم إذا قدمت عليهم امرأة جليلة القدر ، يأمرون بإكرامها. أجل ، أيّ نساء أجلّ قدراً من بنات رسول الله (ص) ، ونساء ولده أبي عبدالله الحسين (ع)؟! وأيّ امرأة أجلّ قدراً ، وأرفع شأناً من زينب بنت أمير المؤمنين عليهماالسلام؟! جدّها رسول الله (ص) ، أبوها أمير المؤمنين (ع) ، اُمّها فاطمة الزهراء بنت محمّد (ص) ، أخواها وشقيقاها الحسن والحسين عليهماالسلام ، مع ما لها من الفضل في نفسها. ومع ذلك فإنّ الدعي ابن الدعي ، عبيد الله بن زياد ـ لعنه الله ـ لمْ يُكرّمها بشيء ، بل أمر بإحضارها في مجلسه مع سائر عيالات أبي عبد الله الحسين (ع) ، وأسمعها أخشن الكلام وأسوأه ، فكان ممّا قاله لها : الحمد لله الذي قتلكم وفضحكم وأكذب اُحدوثتكم. فقالت عليهاالسلام : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد (ص) ، وطهّرنا من الرجس تطهيراً ، إنّما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا. فقال لها : كيف رأيت صنع الله بأخيك ، وأهل بيتك؟ فقالت : ما رأيت إلاّ جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاج وتُخاصم ، فانظر لمَن الفلج يومئذ ، هبلتك اُمّك يابن مرجانة! فغضب ابن زياد واستشاط ، وكأنّه همّ بها ، فقال له عمرو بن حريث : إنّها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها. فاراد ابن زياد ان يُحرق قلبها ، فقال لها : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين ، والعصاة المَرَدة. فرقّتْ زينب وبكتْ ، وقالت له : لَعمري ، لقد قتلتَ كهلي وأبرزتَ أهلي ، وقطعتَ فرعي واجتثثتَ أصلي ، فإنْ كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت.