ديني ، وما قرّت فيها عيني ، وما أنا فيها إليك بعائدة ، ولا حيث كنت بحامدة. فأشار معاوية إليها ببنانه اخرجي ، فخرجت وهي تقول : وآعجبي لمعاوية! يكفّ عنّي لسانه ، وهو يشير إلى الخروج ببنانه! أما والله ، ليعارضنّه عمرو بكلام مؤيّد سديد ، أوجع من نوافذ الحديد ، أو ما أنا بابنة الشريد. فخرجت وتلقّاها الأسود الهلالي ، وكان أسود أصلع أبرص ، فسمع مقالها ، فقال : لمَن تعني هذه ـ عليها لعنة الله ـ؟ فقالت : خزياً لك وجدعاً ، أتلعنني واللعنة بين جنبيك! وما بين قرنيك إلى قدميك! اخسأ يا هلمة الصعل ، ووجه الجعل. فبهت الأسود ينظر إليها ، ثمّ سأل عنها فاُخبر ، فأقبل يعتذر إليها ؛ خوفاً من لسانها. ثمّ التفت معاوية إلى عبيد بن أوس ، فقال : ابعث إليها ما تقطع به عنّا لسانها ، وتقضي به ما ذكرت من دَينها ، وتخفّ به إلى بلادها. فلمّا أتاها الرسول بما أمر به معاوية ، قالت : يا عجبي لمعاوية! يقتل زوجي ، ويبعث إليّ بالجوائز! فأخذت ذلك وخرجت تريد الجزيرة ، فمرّت بحِمص فقتلها الطاعون. فبلغ ذلك الأسود ، فأقبل إلى معاوية كالمبشرّ له ، فقال : قد استُجيبت دعوتك في ابنة الشريد ، وقد كُفيتَ شرّ لسانها ، مرّت بحِمص فقتلها الطاعون. قال معاوية : فنفسك فبشرّ ؛ فإنّ موتها لم يكن على أحد أروح منه عليك ، ولَعمري ، ما انتصفت منها حين أفرغت عليك شؤبوباً وبيلاً. فقال الأسود : ما أصابني من حرارة لسانها شيء ، إلاّ وقد أصابك مثله ، وأشدّ منه. أقول : وعمرو بن الحمق هذا من خيار أصحاب رسول الله (ص) ، ومن السّابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (ع) ، وأخلصوا في محبته. وكتب الحسين (ع) إلى معاوية ـ بعد قتله عمرو بن الحمق ـ جواباً عن كتاب : «أوَلست قاتلَ عمرو بن الحمق صاحب رسول الله (ص) ، العبد الصالح الذي أبلته العبادة ، فنحُل جسمه واصفرّ لونه ، بعدما أمّنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لَو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس جبل ، ثمّ قتلته ؛ جرأةً على ربّك ، واستخفافاً بذلك العهد؟!». وقُتل عمرو ببلاد الموصل ، وقُطع رأسه واُرسل إلى معاوية ، فأرسله معاوية ـ كما سمعت ـ إلى امرأته وهي في السجن ، وأمر أنْ يُطرح في حجرها. وبه اقتدى ولده يزيد في قطع رؤوس سادات المسلمين ، وحملها إليه من بلد إلى بلد ، فإنّه لمّا قُتل الحسين (ع) وأصحابه ، أمر عامله عبيد الله بن زياد أنْ يحمل إليه رأس الحسين (ع) ، ورؤوس أصحابه ، وسبايا أهل بيت النّبوّة ففعل. وكان الرأس الشريف بمرأى ومنظر من نساء الحسين (ع) ، وأخواته ، وبناته طول مدة الطريق ، من العراق إلى الشام. وكما طرح معاوية رأس عمرو بن الحمق في حجر زوجته بعد قتله ؛ بغياً وعتوّاً ، وشدّة بغضه لأمير المؤمنين (ع) وشيعته ، أحضر ولده يزيد رأس الحسين (ع) بين يديه