اللهمّ ، العن أنت وملائكتك ، وأنبياؤك ورسلك ، وجميع خلقك ، الباغي منهما على الآخر ، والعن اللهمّ ، الفئة الباغية على الفئة المبغي عليها آمين ربّ العالمين. اللهمّ ، العنهم لعناً وبيلاً ، وجدد العذاب عليهم بكرة وأصيلاً. قال : بل أعفيناك يا أبا بحر. وقال يوماً معاوية لجلسائه : ألستم تعلمون كتاب الله؟ قالوا : بلى. فتلا قوله تعالى : (وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومِ) فقال : كيف تلومونني بعد هذا؟ فقام الأحنف ، فقال : ما نلومك على ما في خزائن الله ، إنّما نلومك على ما أنزل الله لنا من خزائنه فأغلقت عليه بابك. فسكت معاوية ولم يحرِ جواباً. هكذا تكون حال المخلصين في ولائهم ، الذين أخذوا على أنفسهم نصرة الحقّ في حالتي الأمن والخوف ، والشدّة والرخاء ، أمثال الأحنف من أهل النفوس الكبيرة والهمم السامية ، وأمثال أنصار الحسين (ع) الذين تلقّوا السيوف والرماح والسّهام بنحورهم ووجوههم وصدورهم ، لم يثنهم عن نصرة الحقّ خوف الردى ، ولم تتغير حالهم في تلك المواقف الرهيبة المخيفة. ولمّا خطبهم الحسين (ع) بكربلاء ، فقال (ع) : «إنّه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون ، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت وأدبر معروفها ، ولم يبقَ منها إلاّ صُبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل. ألاَ ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً ؛ فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً». قام زهير بن القين ، فقال : قد سمعنا ـ هداك الله ـ يابن رسول الله مقالتك ، ولو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنّا فيها مخلّدين لآثرنا النّهوض معك على الإقامة فيها. ووثب نافع بن هلال الجملي ، فقال : والله ، ما كرهنا لقاء ربّنا ، وإنّا على نياتّنا وبصائرنا نوالي مَن والآك ، ونُعادي مَن عاداك. وقام برير بن خضير ، فقال : والله يابن رسول الله ، لقد منّ الله بك علينا أنْ نقاتل بين يديك ، وتُقطع فيك أعضاؤنا ، ثمّ يكون جدك شفيعنا يوم القيامة. وخطبهم ليلة العاشر من المُحرّم فقال (ع) ـ من جملة خطبته ـ : «ألاّ وإنّي قد أذنت لكم ، فانطلقوا جميعاً في حلٍّ ليس عليكم مني ذمام ، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ، وليأخذ كلّ واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ؛ فإنّهم لا يُريدون غيري». فقال له إخوته وأبناؤه ، وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر : ولِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك! لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول العبّاس بن أمير المؤمنين (ع) ، وأتبعه الجماعة عليه ، فتكلّموا بمثله ونحوه. وقام مسلم بن عوسجة الأسدي فقال : أنحن نخلّي عنك وقد أحاط بك هذا العدو؟! وبمَ نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟! لا والله ، لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتّى أكسر في صدورهم رمحي ، واُضاربهم بسيفي ما