الأكل ، التفت إليّ ، وقال : «لقد خابت هذه ـ ومدّ يده إلى لحيته الكريمة ـ وخسرت هذه ، إنْ أدخلتُها النّار من أجل الطعام». ورآه عدي بن حاتم ، وبين يديه شُنّة وفيها قراح ماء وكسرات من خبز الشعير ، فقال له : أرى لك ذلك يا أمير المؤمنين ، أنْ تظلّ نهارك صائماً مجاهداً ، وبالليل ساهراً مكابداً ، ثمّ يكون هذا فطورك! فقال (ع) :
علِّلْ النَّفسَ بالقنُوعِ وإلاّ |
|
طلَبتْ منكَ فوقَ ما يكْفِيها |
ولمْ يزلْ هذا دأبه ، وهذه سجيّته حتّى أتى إليه ابن ملجم المرادي ، وضربه بالسّيف على اُمّ رأسه.
ألمْ يعْلَمِ الْجاني على اللّيثِ أنّه |
|
أتَى اللّيثَ في محرابِهِ وهو ساجدُ |
ولو جاءهُ من حيثُ ما اللّيثُ مُبصرٌ |
|
ولو جاءهُ من حيثُ ما اللّيثُ مُبصرٌ |
فلمّا حضرته الوفاة ، دعا أولاده كلّهم صغيراً وكبيراً ، وجعل يودّعهم ويقول : «الله خليفتي عليكم ، أستودعكم الله». وهم يبكون ، ثمّ التفت إلى ولده الحسن (ع) ، فقال : «يا أبا محمّد ، اُوصيك بأبي عبد الله خيراً ؛ فأنتما منّي وأنا منكُما». ثمّ قال : «كأنّي بكم وقد خرجت عليكم الفتن من ها هنا وها هنا ، فعليكم بالصبر ؛ فهو محمود العاقبة». ثمّ قال : «يا أبا عبد الله ، أنت شهيد هذه الاُمّة ، فعليك بتقوى الله ، والصبر على بلائه».
أبا حَسنٍ أبناؤكَ اليومَ حلَّقْتْ |
|
بقادمةِ الأسيافِ عن خطَّةِ الخسْفِ |
سلْ الطَّفَّ عنهُمْ أينَ بالأمسِ طنَّبُوا |
|
وأينَ اسْتَقلُّوا اليومَ عنْ عرْصَةِ الطَّفِّ |