الحقّ؟ فأمّا إطراؤك لأهل الشام ، فما رأيت أطوع لمخلوق ولا أعصى لخالق منهم ، ابتعت منهم دينهم وأبدانهم بالمال ، فإنْ أعطيتهم حاموا عنك ونصروك ، وإنْ منعتهم قعدوا عنك ورفضوك. قال معاوية : اسكت يابن صوحان ، فوالله ، لولا أنّي لمْ اتجرّع غصةَ غيظٍ قط أفضل من حلم ، لَما عدتَ إلى مثل مقالتك. فقعد صعصعة ، فأنشأ معاوية يقول :
قبِلتُ جاهلَهُمْ حِلماً ومكْرُمةً |
|
والحلمُ عنْ قُدرةٍ فضلٌ مِنَ الكَرَمِ |
وهذا الحلم الذي كان يظهره معاوية ، إنّما كان حيث تقتضيه السّياسة ويخاف من عاقبة البطش ، وإلاّ فما باله قتل حِجر بن عدي وأصحابه؟ وعمرو بن الحمق وأمثاله؟ وبعث أحد أصحاب حِجر إلى زياد فدفنه حيّاً ـ كما رواه ابن الأثير ـ بعدما كان أمّن هؤلاء كلّهم؟ وحُمل عبد الله بن هاشم المرقال إليه مُكبّلاً بالحديد؟ ونادى مناديه بعد صلح الحسن (ع) : أنْ برئت الذمّة ممّن يروي حديثاً من مناقب علي وفضل أهل بيته؟! واستعمل زياداً على الكوفة والبصرة ، فجعل يتتبّع الشيعة ويقتلهم تحت كلّ حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطّع الأيدي والأرجل ، وصلبهم في جذوع النخل ، وسَمل أعينهم ، وطردهم وشرّدهم حتّى نُفوا من العراق ، فلم يبقَ بها أحد معروف ، وكتب إلى عمّاله بقتلهم على التهمة والظنّة. واقتدى به ولده يزيد ، فولّى الكوفة والبصرة عبيد الله بن زياد ، كما ولاّهما أبوه زياداً ، فقتل الشيعة وأخافهم ، وصلبهم في جذوع النخل ، كما فعل بميثم التمّار وأمثاله ، حتّى آل أمره إلى قتل مسلم بن عقيل ورميه من أعلى القصر ، وإلى قتل ريحانة رسول الله (ص) الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه ، ومنعه من الماء ، ورضّ جسده الشريف بعد القتل بحوافر الخيل ، وحمل رأسه ورؤوس أصحابه من بلد إلى بلد ، وسبي نساء بيت النّبوّة والرسالة ، ومقابلته لهنّ بأفظِّ القول وأجفاه.
بَنى لَهُمُ الماضونَ آساسَ هَذِهِ |
|
فَعَلّوا عَلى آساسِ تِلكَ القَواعِدِ |
أَلا لَيسَ فِعلُ الأَوَّلينَ وَإِنْ عَلا |
|
عَلى قُبحِ فِعلِ الأَخَرينَ بِزائِدِ |