وكان يمسك بركاب الحسنين عليهماالسلام حتّى يركبا ، ويقول : هُما ولدا رسول الله (ص). وقال له معاوية لمّا قُبض الحسن (ع) : أصبحت سيّد بني هاشم. فقال : أما وأبو عبد الله حيّ فلا. ولمّا عزم الحسين (ع) على الخروج إلى العراق ، جاءه عبدالله بن عباس فنهاه عن الخروج ، فقال (ع) : «أستخير الله وانظر ما يكون». ثمّ أتاه مرّة ثانية فأعاد عليه النَهي ، وقال : إنْ أبيت إلاّ الخروج فاخرج إلى اليمن. فقال الحسين (ع) : «يابن عمّ ، والله ، إنّي لأعلمُ أنّك ناصحٌ مشفق ، وقد ازمعتُ وأجمعت المسير». فخرج ابن عبّاس ومرّ بابن الزّبير ، وأنشد :
يا لكِ منْ قُبَّرةٍ بمَعْمَرِ |
|
يا لكِ منْ قُبَّرةٍ بمَعْمَرِ |
ونقِّري ما شِئْتِ أنْ تُنقِّري |
|
هذا حسينٌ خارجٌ فأبشِري |
ثُمّ أتاه هو وابن الزّبير ، وأشار عليه بالإمساك عن المسير إلى الكوفة ، فقال لهما : «إنّ رسول الله (ص) قد أمرني بأمرٍ وأنا ماضٍ فيه». فخرج ابن عبّاس ، وهو يقول : وا حُسيناه! ولمّا دعاه ابن الزّبير ـ بعد قتل الحسين (ع) ـ إلى بيعته فامتنع ، وكتب إليه يزيد يشكره على ذلك ، ويَعدُه البرّ والصّلة ، كتب ابن عبّاس إلى يزيد ذلك الكتاب العظيم ، الذي يقول من جملته : إنّك تسألني نصرتك وقد قتلتَ حسيناً (ع) وفتيان عبد المطّلب مصابيح الهدى ونجوم الأعلام ، غادرتْهم خيولك بأمرك في صعيد واحد ، مرمّلين بالدّماء ، مسلوبين بالعراء ، لا مُكفّنين ولا موسّدين ، تسفي عليهم الرياح وتنتابهم عرج الضّباع ، وما أنسى من الأشياء فلستُ بناسٍ طردك حسيناً (ع) من حرم رسول الله (ص) إلى حرم الله ، وتسييرك إليه الرجال لتقتله في الحرم. ألا وإنّ من أعجب الأعاجيب ، وما عسى أنْ أعجب ، حملك بنات عبد المطّلب وأطفالاً صغاراً من ولده إليك بالشام كالسبي المجلوب.
نصرتَ ابنُ عبّاسٍ حسينَ بنَ فاطمٍ |
|
بحدِّ لسانٍ ما عنْ السّيفِ يَنقصُ |
دعتْكَ إليه شِيمةٌ هاشميّةٌ |
|
فحقّاً لأنتَ الهاشميُّ المُخلَصُ |