من ذلك. ونظر إليه معاوية يوماً ، وهو يتكلم ، فقال : متمثّلاً :
إذا قالَ لَمْ يتْرُكْ مقالاً لقائلٍ |
|
مُصيبٍ ولَمْ يَثنِ اللّسانَ على هُجرِ |
يُصرِّفُ بالقولِ اللّسانَ إذا انْتَحَى |
|
وينظرُ في أعْطَافِهِ نَظَرَ الصَّقْرِ |
وكُفّ بصره في آخر عمره ، فقال :
إنْ يأخذْ اللهُ منْ عينيَّ نُورَهُمَا |
|
ففي لسانِي وقَلبِي منهُما نُورُ |
قلبِي ذكيٌّ وعقلي غيرُ ذي دَخَلٍ |
|
وفي فمي صارمٌ كالسَّيفِ مأثُورُ |
وهو الذي كتب إلى يزيد بن معاوية ـ بعد قتل الحسين (ع) ـ ذلك الكتاب العظيم ، وذلك أنّ عبد الله بن الزّبير ـ بعد قتل الحسين (ع) ـ دعا ابن عبّاس إلى بيعته ، فامتنع ، فظنّ يزيد أنّ امتناعه تمسك منه ببيعته ، فكتب إليه كتاباً يشكره فيه على ذلك ، ويَعده البرّ والصلة. فأجابه ابن عبّاس بكتاب يقول فيه : أتراني ناسياً لك قتل الحسين بن علي عليهماالسلام وفتيان بني عبد المطلب ، مضرَّجين بالدماء ، مسلوبين بالعراء ، تسفي عليهم الرياح وتنتابهم الذئاب والضّباع حتّى أتاح الله لهم قوماً أجنوهم. ومهما نسيتُ فما أنسى لك طرد الحسين (ع) من حرم الله ، وكتابك إلى ابن مرجانة أنْ يتلّقاه بالجيوش طمعاً في قتله. وإنّي لأرجو أنْ يأخذك الله حين قتلت ذرّيّة نبيّه (ص) ، [الذين] أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، لا كآبائك الأجلاف الجفاة ، أشباه الحمير. فطلب إليكم الحسين (ع) الموادعة ، فاغتنمتم قلّة أنصاره وأعوانه ، فتعاونتم عليه كأنّكم قتلتم أهل بيتٍ من التُرك.
ولا شيء أعجب عندي من طلبك وُدّي وقد قتلتَ وُلدَ أبي ، وسيفك يقطر من دمي ، وأنت أحد ثأري! فإنْ شاء الله لا يُطلّ لديك دمي ، ولا تسبقني بثأري ، وإنْ سبقتني في الدّنيا فقبل ذلك ما قُتل النبيّون وأبناء النبيّين ، والله الطالب بدمائهم ، وكفى بالله للمظلومين ناصراً ، ومن الظالمين منتقماً. إلى أنْ قال : ألا وإنّ من أعجب العجب ، وما عسى أنْ أعجب ، حملك آل رسول الله (ص) وأطفالاً صغاراً من ولده إليك إلى الشام كالاُسارى المجلوبين ، تُري الأوباش ومَن خرج عن ملّة جدّهم (ص) أنّك قهرتنا وأنك تمنّ علينا ، وبنا مَنّ الله عليك وعلى أبيك! ولَعمر الله ، لئن تُصبح آمناً من جراحة يدي فقد عظّم الله جرحك من لساني ، ونقضي وإبرامي. والله ، ما أنا بآيس من بعد قتلك عترة رسول الله (ص) أنْ يأخذك الله أخذاً أليماً ، ويُخرجك من الدّنيا