وألينهم عَريكة.
لمْ يكن جهاد أمير المؤمنين علي (ع) وحروبه في الإسلام لغاية دنيويّة ؛ من طلب إمارة أو شهرة بين النّاس أو منزلة عندهم. ما كان جهاده ولا كانت حروبه إلاّ نصرة للحقّ ومحاماة عن الدين. ولم يكن زهده في الدنيا طلباً لمدح أو منزلة في قلوب النّاس ، بل إرشاداً للاُمّة إلى ما يُصلحها ، وتعليماً لها ما ينفعها ، كيف لا ، وهو القائل لابن عبّاس في نعل كان يخصفها : «والله ، لهي ـ أي : النعل ـ أحبّ إليّ منْ إمرتكم هذه ، إلاّ أنْ اُقيم حقّاً أو أدفع باطلاً». لكن هذه الاُمّة لمْ تعرف لعلي (ع) حقّه في جهاده ، ومحاماته عن الدّين في سبيل سعادتها ، وإرشادها إلى ما يُصلحها ، ولمْ تحفظه في أولاده وذرّيّته ، ولمْ ترعَ لهم حرمة من بعده ، فأخّرته عن مقامه ، وآل بها الأمر إلى أنْ قتلته وهو يُصلّي في محرابه ، بيد أشقى الأوّلين والآخرين ؛ عبد الرحمن بن ملجم المرادي. وتركت ولديه من بعده ، سيّدي شباب أهل الجنّة ، بين قتيل بالسُّم ، ومُضرّج بالدّم ، فدسّت إلى ولده الحسن (ع) ، أحد السّبطين والريحانتين ، السُّمَّ على يد جعدة بنت الأشعث بن قيس حتّى لفظ كبده في الطست قطعاً ، وجهّزت الجيوش إلى أخيه الحسين (ع) ، ثاني السّبطين والريحانتين ، بعدما قدّمت عليه يزيد الخمور والفجور ، اللاعب بالقرود والفهود ، وأحاطت به من كلّ جانب ، ومنعته الذهاب في بلاد الله العريضة ، وقتلت آله وأنصاره ، ومنعته من ورود الماء حتّى قتلته عطشان ظامياً ، وذبحت أطفاله ، وسبت نساءه وعياله :
يا اُمّةً باعتْ بضائعَ ديْنِها |
|
يومَ الطُّفوفِ بخيْبةٍ وشَقاءِ |
خانتْ عهودَ محمّدٍ في آلهِ |
|
من بعدِهِ وجزتْهُ شرَّ جزاءِ |